شعاع

مؤسســة الشيخ الفضيــل الورتلاني/ تساؤلات حارقة

يكتبه: حسن خليفة /

تعجّ الساحة الثقافية والعلمية في بلادنا بالكثير من الهيئات والمؤسسات والمراكز والجمعيات، غير أن قلة منها ـفقط ـ هي التي تعمل وتقدّم ما أمكن من المنجزات المفيدة والمهمة في الميدان، ومن بين تلك الهيئات ما سُميّ باسم «مؤسسة» كمؤسسة الأمير عبد القادر، ومؤسسة مفدي زكريا، ومؤسسة العلامة عبد الحميد ابن باديس، ومؤسسة بوعمامة الخ..
والملاحظ في الميدان أن بعضا من تلك المؤسسات تشتغل بوتيرة جيدة، وتسهم في إحياء القيّم الدينية والثقافية والاجتماعية في الفضائين الثقافي والاجتماعي الوطني، وهذا أمر طيب دون ريب.
لكن الملاحظ أيضا غياب واختفاء بعض تلك المؤسسات، ويعنيني ـهنا ـ الإشارة بالذات إلى مؤسسة الفضيل الورتلاني، والتي أُعلن عن تأسيسها قبل أكثر من سبعة عشر عاما في جريدة البصائر (جوان 2003)… لماذا تخلّفت هذه المؤسسة عن شقيقاتها العاملات في الميدان؟
عندما تم الإعلان عن هذه المؤسسة سنة 2003 كما سبق الذكر، ورد في خطاب التأسيس:
«أن بعث مؤسسة الشيخ الفضيل الورتلاني يأتي في أوانه، ليجسد وفاء الشعب الجزائري لرموز نهضته العلمية الحديثة».. وأيضا قيل: أن هذا التأسيس «يندرج في إطار تثمين الفعل الحضاري الذي أدته جمعية العلماء» التي عنيت واهتمت دائما بـ»تعميق خط الترشيد للعقول، والتزكية للنفوس، وتنقية القلوب، وتوحيد الصفوف».
وهذا كلام صحيح وقويّ حقيقة.. يتفق تماما مع ما وُلدت المؤسسة لتحقيقه من أهداف، ومنها:
1- التعريف بشخصية الشيخ الفضيل الورتلاني وأعماله ومآثره
2- التعريف بالشخصيات الفكرية والعلمية الوطنية
3- العمل على تهيئة فضاء للتواصل الجاد والمثمر
4- المساهمة في الدعم الثقافي والعلمي للمؤسسات والهياكل ذات الطابع لثقافي والعلمي
5- تعمل المؤسسة على تشجيع البحث العلمي والتأليف والترجمة والنشر في الميادين الفكرية والعلمية
6- تعمل المؤسسة على تنظيم ملتقيات فكرية وعلمية وتاريخية على المستويين الوطني والدولي
7- تنشئ المؤسسة جائزة باسم الشيخ الفضيل الورتلاني تُمنح لكلّ عمل فكري أو علمي أو تاريخي أو أدبي للباحثين الجزائريين.
8- تعمل المؤسسة على فتح فروع لها على المستوى الوطني، حسب الإمكانيات المتوفرة.
وغير هذا من الأهداف المسطرة التي وردت في القانون الأساسي للمؤسسة والمنشور في كتاب.
(العالم المجاهد الجزائري والداعية الإسلامي الكبير الفضيل الورتلاني ـ ص 400 وما بعدها).
وقد غطى القانون الأساسي كل الأمور ذات الصلة بسير المؤسسة والتي أُنشئت كمؤسسة ثقافية وطنية تخضع لأحكام القانون 31/90 المؤرخ في 17 جمادى الأولى 1411 هـ الموافق لـ4 ديسمبر1990.
الأسئلة هنا كثيرة ومتعددة ومزعجة أحيانا؟
هل يليق بنا السكوت؟ ألا ينبغي أن نتساءل عن سبب «غياب» أو»تغييب» هذه المؤسسة؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟ هل هم المؤسســون الأُوّل لها؟ أم أن ثمة أسبابا في تعطّل المؤسسة عن أداء دورها؟
وما هي مسؤوليتنا جميعا؛ خاصة أعضاء جمعية العلماء المسلمين وقيادتها ومنتسبيها ودعاتها وأساتذتها؟ إن الفضيل -رحمة الله عليه – رمز من رموز الجمعية البارزين الأكفاء الذين أدّوا ما عليهم، فهل أدينا ما علينا إزاءه؟.
ما هو المطلوب بالضبط؟
إنّ فضيلة الوفاء تقتضي ـوجوبا ـ العمل على إحياء هذه المؤسسة إكراما لصاحبها المجاهد الفذّ، والداعية المقتدر، والشخصية الإسلامية المتميزة التي تركت بصماتها واضحة في مسار دعوي وإصلاحي غاية في القوة والاقتدار، امتد على مدار أكثر من أربعين عاما في الجهاد الدعوي الثقافي الديني، منذ أن كان رفيقا للشيخ الإمام ابن باديس يسافر معه ويغطّي ككاتب وصحفي تنقّلاته ويرسم آفق الجهاد الفكري والديني العميق الذي عمل ابن باديس على إعطائه قوة وتأثيرا وزكاة ووفرة من روحه الزكية الطاهرة، ونفسَه الإيماني الجليل … إلى أن انتقل -الفضيل – إلى فرنسا فأحيا بها مع إخوانه الحركة الإيمانية والإصلاحية هناك… ثم انتقاله مرة إلى مصر؛ وبعدها إلى اليمن.
هذه الشخصية المتميزة الاستثنائية -الفضيل الوتلاني – دعنا نتعرّف على غير ما هو معروف عنه، ولنستكشف ذلك من الإبراهيمي نفسه.
وصف الشيخ الإبراهيمي الفضيل ـرحمة الله عليهم جميعا ـ في رسالة كتبها لابنه مسعود نيابة عن أبيه (وهي بالمناسبة وثيقة ثمينة أحسبُ أن على الأجيال قراءتها والاستفادة منها، وسننشرها لاحقا بحول الله)..
كتب الإمام الإبراهيمي معرّفا بالفضيل، داعيا ابنه إلى الاقتداء به إذا أراد أن يكون رجلا حقا:
«….إنه -أي الفضيل – ما وصل إلى هذه الدرجة إلا بجهد صيّره يقطع مراحل التعليم في سنة ما يقطعه نظراؤه في سنوات، وإنه لم يضيّع الدقائق فضلا عن الساعات، فضلا عن الأيام والشهور، في اللعب واللهو، وإنما كان يتعب حيث يستريح الناس، ويسهر حيث ينامون، وكان يتعهد القرآن تلاوة وتفهّما حتى حفظه وحافظ عليه إلى الآن، وتلك إحدى مناقبه التي يعجب بها الشرقيون منه ويُكبرونه لأجلها، وكان في كل راحة من راحات الصيف التي يقضيها غيره في الاستجمام المفضي إلى النسيان، يقضي هو تلك العطلة في ختم كتاب من كتب العلم كالرسالة، والألفية، مطالعة واستذكارا وتفهّما، وكان يجمع الشوارد من الآيات والأحاديث والحكَم والشعر، ويصنف أنواعها لتكون مادته في الخطابة والاستشهاد، كل شاردة في محلها وموضوعها، وبذلك أصبح خطيبا مفوها في الدين والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وكانت حالته المادية تسوّغ له أن يعيش مدلّلا؛ لأن نصيبه من إرث أبيه يعدّ ثروة، ولكنه آثر عيشة الخشونة ليتفرغ إلى تكميل نفسه بالعلم، ولينقطع إلى قطع مراحل الكمال الروحي في أقل زمن، ولا تزال آثار تلك التربية الخشنة التي أخذ بها نفسه ظاهرة عليه إلى الآن» (المجاهد الورتلاني ص 392)
هذا هو الفضيل القاريء الحافظ لكتاب الله، العصامي الذي كوّن نفسه، وقادها إلى المعالي بإرادته وقوة عزيمته، الذي مال إلى الآخرة وترك الدنيا، وقدم ما قدم لدينه ووطنه وأمته.
فحرام علينا أن نضيّع رجلا كهذا وميراثا كهذا.. وقدوة كهذا.. والمسؤولية تقع علينا جميعا، وأقل ما يمكن هو متابعة شأن هذه المؤسسة والعمل على بعثها من جديد لتكون رافدا من روافد الإصلاح والدعوة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com