وراء الأحداث

11 سنـــة من الحجـر البرلـماني على مشــــروع قانـــون تجــريــم الاستعمـــار الفــرنســـي

أ. عبد الحميد عبدوس /

عقد مكتب المجلس الشعبي الوطني يوم الأربعاء الماضي (10جوان2020) اجتماعا حول دراسة مشروع قانون جعل ذكرى 08 ماي 1945 يوما وطنيا للذاكرة حسب ما قرره رئيس الجمهوري عند إحياء الذكرى الخامسة والسبعين لمجازر الثامن ماي، واغتنم أعضاء لجنة متابعة مشروع قانون تجريم الاستعمار، هذه السانحة للتعبير عن استيائهم الشديد من مما أسموه «تأخر وتماطل» مكتب المجلس الشعبي الوطني، في إحالة المشروع على الحكومة لدراسته، رغم أن مشروع القانون قد أودع بشكل رسمي28 في جانفي 2020 أمام مكتب المجلس بعد أن وقّع على لائحته ما يفوق 120 نائبا، وبعد مرور قرابة ستة أشهر لم تتم إحالته على الحكومة. النائب البرلماني ناصر الدين حمدادوش أكد أن: «مشروع تجريم الاستعمار لا يزال تحت الحجر على مستوى مكتب المجلس… وقد وصل الأمر إلى عدم إعطاء اللجنة المكلفة بمتابعة هذا المشروع قاعة للاجتماع من أجله».
للتذكير فإن مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي وضع تحت طائلة التجميد منذ 2009 ، حيث قام كل من رئيسي المجلس الشعبي الوطني الأسبقين عمار سعداني، وعبد العزيز زياري في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة وبضغط من السلطات الفرنسية بتجميد بسحب مشروع قانون تجريم الاستعمار من جدول أعمال المجلس بعد حصول المشروع على الأغلبية اللازمة لإقراره وإصداره في شكل قانون ملزم للدولة الجزائرية.
قد يكون من المؤسف والشائن للجزائر بلد المليون ونصف مليون شهيد أن تطوي ملف تجريم الاستعمار، أو أن تؤجل إصداره إلى أن يأتي جيل جديد أو أن يكون جيل المجاهدين قد غادرا لحياة دون أن يرى بلده تصدر قانونا يحمي ذاكرة الشهداء ويمجد تضحيات الشعب الجزائري، ويرد على إقدام البرلمان الفرنسي على إصدار قانون يمجد الاستعمار وتلتزم به الدولة الفرنسية في سنة 2005.
والجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبق له أن اعترف بحق الجزائر في المطالبة بالاعتذار، إذ صرح في شهر فيفري 2017 بالجزائر عندما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية: «إنّ الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات». كما شبه ماكرون في جانفي 2020 الاحتلال الفرنسي للجزائر ب»المحرقة النازية» ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، وقال: «أنا واضحٌ جدًا بشأن التحدّيات التي تواجهني كرئيس من منظور الذاكرة، وهي تحديات سياسية. الحرب الجزائرية هي بلا شكّ أكثرها دراماتيكية.. أنا أعرف هذا الأمر منذ حملتي الرئاسية.. وهو تحدٍّ ماثلٍ أمامنا، ويتمتّع بالأهمية نفسها التي كان ينظر بها شيراك عام 1995 لمسألة المحرقة النازية».
في الأيام الماضية اهتز العالم تحت صيحات المتظاهرين الرافضين للعنصرية، بعد مقتل المواطن الأمريكي ذي البشرة السمراء جورج فلويد تحت ركبة شرطي عنصري أبيض، فهذه الحركة الاحتجاجية التي هزت شوارع وساحات ومدن أمريكا وأوروبا، أعادت إلى الواجهة قضايا الذاكرة ومظالم التاريخ المستمرة في الحاضر، حتى أن الحركة الاحتجاجية لم تكتف بالمطالبة بالقضاء على السلوكيات العنصرية في أمريكا وأوروبا، بل امتدت إلى قضايا تتعلق بالذاكرة حيث قام المتظاهرون بتحطيم بعض التماثيل التي تعد بمثابة رموز للولايات لأمريكا، ولم تتأخر رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديمقراطية نانسي بيلوسيي عن توجيه خطاب إلى اللجنة المشتركة لإدارة مباني الكونغرس طالبت فيه بإزالة 11 تمثالا لشخصيات أمريكية مناصرة للعبودية والتفرقة العنصرية بين البيض والسود، واعتبرت نانسي بيلوسي أن هذه التماثيل تلقي بالضوء على جرح أميركي قديم لم يتم حسم التعامل معه بعد. وقالت: «أعتقد أنه من الضروري ألا ننسى تاريخنا أبدا كي لا نكرره».
وفي أوروبا، وبالعاصمة البلجيكية بروكسيل، خرب المتظاهرون تمثال الملك البلجيكي ليوبولد الثاني (1835 – 1909) الذي استعمر الكونغو وألحقه بملكياته الخاصة فقررت السلطات المحلية إزالته ونقله إلى مستودع أحد المتاحف.
وأما في بريطاني فقد تم تحطيم بعض تماثيل تجار العبيد، كما أعلن عمدة لندن صادق خان عن إجراء مراجعة لجميع التماثيل وأسماء الشوارع الموجودة في المدينة، مشيرًا إلى أنه يجب إزالة أي تمثال أو اسم شارع له علاقة بالعبودية.
أما في فرنسا بلد حقوق الإنسان وعاصمة الأنوار، فما زالت تماثيل مجرمي الحرب تنتصب في فرنسا، ومازالت أسماء الماريشال بوجو، والجنرال لاموريسيير، والماريشال سانت أرنو، والجنرال دو روفيغو، والكولونيل دو كافينياك تتصدر شوارع وساحات فرنسا، رغم ما اقترفه أصحابها من جرائم الحرق والقتل والتدمير والسلب والنهب ضد الشعب الجزائري.
قال فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في كتابه (ليل الاستعمار): «كانوا كلهم في الضراوة سواء من روفيغو إلى تيريزيل ثم كلوزيل ثم يوسف وسانت أرنو وشانقارني ولا موريسيير وهيربيون ودومنونتانياك ودانريمون وبيليسي وكافينياك وبراندون ودوماس ووديريسون وكانروبير وبودو وهوبول وبوسكي وكامو، وبان وهلم جرا يكفي الإنسان أن يطلع على الأحاديث التي يرويها أولئك الضباط عن غزواتهم ليحصل على صورة ضئيلة عما قاساه شعبنا من ويلات بشجاعة منقطعة النظير.»
أما المؤرخ الفرنسي شارل أندريه جوليان، فيقول: «كانوا كلهم يفتخرون بضراوتهم من الملكيين إلى الجمهوريين إلى أتباع نابليون (نابليون الثالث) فمبجرد نزولهم بأرض الجزائر كانت تعتريهم حمى القتل والنهب والتخريب».
في العام الماضي فقط، واصلت فرنسا نهجها في تكريم مجرميها كما فعلت بلدية درو (dreux ) بشمال فرنسا في شهر اكتوبر 2019 بإطلاق اسم المجرم الجنرال مارسيل بيجار على احد شوارعها.
إن مطلب تجريم الاستعمار هو مطلب جزائري ولكنه أيضا مسعى إنساني، يهدف إلى غلق جروح الذاكرة وتحرير التاريخ من فيروس العنصرية المدمر الذي يملك القدرة على التجدد وإعادة الانتشار إذا لم يتم التخلص منه بصفة تامة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com