غيوم ملبدة في سماء الوجود الإسلامي في الغرب/باريس/ سعدي بزيان
كم من جرائم ارتكبت في الغرب وفي البلدان الإسلامية باسم: الإسلام والإسلام بريء منها، والمسلمون في عمومهم كذلك، وعن جهل وغباوة يردد هؤلاء كلمة “الله أكبر” كلمة حق أريد بها باطل، وقد عاش مسلمو الغرب خلال 3 سنوات 2015/2016/2017 تحت وقع أحداث مؤلمة وظالمة ذهب ضحيتها أبرياء من الأطفال والنساء لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما يجري، ووجد أعداء الإسلام في الغرب مادة ثرية قدمها لهم هؤلاء فاتخذوها مطية لتحقيق مكاسب سياسية، بحيث أصبح هؤلاء في الغرب يشكلون معادلة سياسية، كما أضحى قوة سياسية ثانية في البلاد وكانوا على قاب قوسين أو أدنى من وصولهم إلى الحكم في النمسا، وهولاندا بقيادة غيرت ويلدرس الحليف القوي لمارين لوبان، وقد ساده الاعتقاد بأنه سوف يصبح هو ومارين لوبان على هرم السلطة، وبذلك يخلقون معادلة سياسية لا يمكن القفز فوقها، غير أنهما خابا في مساعيهما، وتنفس المسلمون في هولاندا وفرنسا الصعداء بسقوط صنمين غير مأسوف عنهما.
آنجيلا ميركل ودرس من ألمانيا لليمين الأوروبي المتطرف
احتفل الألمان شعبا وحكومة وهيآت عمالية ونقابية بذكرى مرور سنتين على إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فتح اللجوء والإيواء أمام أكثر من مليون طالبي من سوريا والعراق وأفغانستان والمنتمين إلى بلدان أنهكتها الحروب الأهلية والحكومية، واضطرت تحت الحاجة إلى الأمن والأمان والعيش في ظل سلام وسلم، وكان ذلك في 31 أوت من عام 2015، وأعلنت المستشارة ترحيبها بهؤلاء الوافدين الجدد من شعوب ذات لغات وحضارات وعادات وديانات مختلفة، وذابت كل هذه العوامل تحت الجوانب الإنسانية التي برهنت عليها ألمانيا التي عانت من الحروب، وويلاتها، ولم تستعد عافيتها إلا بتضحيات جسيمة. وبفضل تحديات وجدية الشعب الألماني أصبحت ألمانيا اليوم هرم أوروبا اقتصاديا وصناعيا وسيدة أوروبا بلا جدال، وقد عبرت شخصية ألمانيا عن الجهود التي قامت بهام ميركل واستطاعت أن توفر الإيواء والإقامة والتكوين والعمل لهؤلاء الوافدين وجلهم بلا تكوين ولا معرفة باللغة الألمانية، فتجند الشعب الألماني كله لتجاوز هذه المرحلة الصعبة والفريدة من نوعها.
عود على بدء – على الكرم الألماني
قالت بعض الأوساط الأوروبية إنه كان في استطاعة دول الخليج على ما عليها من وفرة مالية أن تستوعب هذا العدد وخاصة أن جل هؤلاء مسلمون ونسبة هامة منهم عرب ومسلمون وسنيون أيضا فلم تعلن هذه الدول قبول ولو عددٍ ضئيلٍ من إخوانهم العرب والمسلمين، فهم يتسابقون على شراء الفنادق، والفرق الرياضية الفرنسية بملايين الأورو، والسعودية تبرعت بملايير الدولارات للإبقاء على عجلة المصانع الأمريكية تدور بما في ذلك المصانع الحربية وليس ذلك عجبا، وما يقوم به هؤلاء مثير للعجب.
الشعب الألماني نموذج التحدي
استطاع الشعب الألماني أن يتحدى آثار الحرب العالمية الثانية حيث جل مدنه تحولت إلى أنقاض وخراب ونهض من الأنقاض وأخذ يقيم فوق هذه الأنقاض مدنا، ويشق طرقات ويبني مصانع، وجامعات استعدادا ليوم البعث من جديد، وتم له ذلك عن جدارة واستحقاق. وهكذا تجلى في موقفه من استقبال أكثر من مليون من طالبي اللجوء فرارا من جحيم الحروب التي أهلكت الحرث والنسل، واستباحت الأرض والعرض فخلال سنتين 2015/2016 استقبلت حوالي مليون و200 ألف شخص من الرجال والأطفال والنساء وخصصت لهؤلاء 600 ساعة لتلقينهم اللغة الألمانية حتى يسهل دمجهم في الاقتصاد الألماني والحياة الاجتماعية الألمانية كما أفردت ميزانية ضخمة لإنجاز هذه السياسة ومتطلباتها من تكوين وتشغيل وتعليم، قدرت هذه الميزانية بـ 21.7 مليار أورو لعام 2016 لمواجهة متطلبات السكان وتعليم وتكوين هؤلاء وعبر اليمين المتطرف الذي يتمثل في تنظيمين عن معارضته لسياسة الاستقبال السخية هذه، والتي تمس على حد هؤلاء بمستوى معيشة هؤلاء السكان ومناصب شغلهم. وتحدت أنجيلا ميركل أصوات هؤلاء الذين نظموا مظاهرة احتجاجا ضد هذا الوجود، وشهدت مدينة درسيدن مسقط رأس المستشارة مظاهرة معادية للأجانب وخاصة المسلمين، ولم يفت ذلك في عضد السياسة الألمانية التي ضربت الرقم القياسي في الاستقبال وتخطت كل الأرقام متجاوزة دولا معروفة باستقبالها وإيوائها للجوء السياسي للأجانب وخاصة المنتمين لدول تعيش الحروب الأهلية، والمجاعة على غرار الحبشة والصومال، وأفغانستان واعترفت جريدة لاكروا المسيحية بأن لاجئي سوريا إلى ألمانيا أكثر تأهيلا من غيرهم من باقي طلاب اللجوء من العراق وأفغانستان وألبانيا وكوسوفو لتسهيل مهمة طالبي اللجوء ودمجهم في الواقع الاجتماعي الألماني، وتحدثت جريدة لاكروا المسيحية في تحقيق لها عن ألمانيا الاتحادية بأن هناك تضامنا واسعا في ألمانيا من أجل التكفل بهؤلاء من طالبي اللجوء إلى ألمانيا، شاركت في هذا التضامن جامعات وكنائس ومؤسسات غير حكومية لاستقبال هؤلاء المعذبين في الأرض والوافدين من سوريا والعراق، وأفغانستان عبر تركيا واليونان وتلقت تركيا دعما من دول المجموعة الأوروبية مقابل وقف الزحف على أوروبا في شكل جماعي لم يُسبق له نظير في تاريخنا المعاصر، فقد رصدت الحكومة الألمانية مبلغا ماليا قصد إقامة وبناء مراكز الإيواء والاستقبال بلغت تكاليف هذه المبالغ 21.7 مليار أورو وهو مبلغ ضخم لا قبل لأي دولة ليست في مستوى ألمانيا اقتصاديا وصناعيا القدرة على تحمل هذا المبلغ وقد تحملته ألمانيا وتحملت أنجيلا ميركل نتائجه وفعلا تتعرض اليوم لحملة من اليمين الألماني المتطرف وحتى من بعض أعضاء حزبها وهي اليوم أمام امتحان عسير ويتساءل المراقبون للشأن الألماني قائلين هل تجتاز ميركل الامتحان العسير في سبتمبر الجاري والجواب أنها كسبت الرهان وتبقى في الحكم، وحتى لو فشلت فستبقى مواقفها تجاه التساهل مع طالبي اللجوء إلى بلادها وتفتح أبواب ألمانيا على مصراعيها في وجه هؤلاء ولا يوجد بلد أوروبي استطاع القيام بهذا العمل ومن سوء حظها وحظ المسلمين في أوروبا أن الاعتداءات الأخيرة في إسبانيا وبريطانيا وحتى في فلندا في أوروبا الشمالية روادها أناس من أصول إسلامية، وتقول جريدة لوموند الفرنسية أنه منذ الاعتداء المزدوج في 17 أوت الماضي في كاتالونيا أصبح المغاربة يخافون من نهاية التعايش بين المغاربة والسكان الأصليين وقد صرح مواطن من المغرب ويدعى بشير بأنه حقا تلقى ثقافته الدينية في مسقط رأسه بالمغرب ولكن وطنه اليوم هو هنا، وهو الذي فتح أبوابه ليعيش فيه، وتأكد فيما بعد بأن مرتكبي الحادث هم مغاربة يسكنون في كتالونيا وهم الذين كانوا وراء حادث برشلونة وإذا كان مرتكبو حوادث الدامية في كتالونا وبرشلونة هم مغاربة فلا غرابة إذن أن يكون مرتكبو الحوادث الدامية في فلندا هم كذلك مغاربة وفلندا هذه بلد أوروبي يقع في أوروبا الشمالية مع السويد والدانمارك والنرويج وإذا كانت السويد وهي من أبرز البلدان الأوروبية تسامحا وقبولا لطالبي اللجوء فخلال زيارتي لهذا البلد سنة 2010 وجدت معظم الأجانب في السويد هم أكراد العراق وبعض السوريين والفلسطينيين وقليلا من الجزائريين وقد صرح رئيس وزراء فلندا بأن هذا الحادث هو الأول من نوعه والذي أدى إلى مقتل امرأتين وجرح رجلين ومرتكب الحادث هو شاب مغربي وصل إلى فلندة سنة 2016 وهو واحد من بين 567 شخص من طالبي اللجوء وعمره 18سنة، وفي كندا تحرك اليمين المتطرف في هذا البلد وحاول تنظيم مظاهرة ضد المهاجرين وخاصة الوافدين من غير الحدود القادمين من الولايات المتحدة هروبا من سياسة دونالد ترامب المعادية للمهاجرين، والغريب أن الولايات المتحدة دولة مهاجرين وهي متكونة من أجناس مختلفة حتى أن رؤساءها من أصول مهاجرة كندي من إيرلاندا وإيزنهاور من ألمانيا، وكندا اليوم وهي أول بلد يرحب بالمهاجرين وخاصة في ظل رئيس الوزراء جوستان ترودو ورئيس وزراء كيبيك فيليب غويلارد وفي إسبانيا اليوم وبعد الأحداث الدامية فيها وورد فيها اسم إمام مسجد، وهو مغربي ويُدعى عبد الباقي الساطي، واعتبر في إسبانيا المخ والعنصر الأساسي في الحادث الدموي في 17 أوت الماضي وعقب هذا الحادث فُتح جدال كبير حول تكوين الأئمة في إسبانيا التي تعيش فيها أكبر جالية مغربية وفي إسبانيا حاليا حوالي مليون و900 ألف مسلم ويشكلون 4 بالمائة من مجموع السكان في إسبانيا حسب إحصائية قام بها الاتحاد الإسلامي لمسلمي إسبانيا سنة 2016 ويشكل المغاربة أكبر جالية إسلامية كما ذكرت ذلك سابقا وحوالي 500 ألف مسلم يعيشون في كتالونيا وفي 300 ألف في أندالوبيا و280 ألف في مدريد وفي إسبانيا حوالي 1600 مكان للصلاة ويقول أحد المسؤولين في التنظيمات الإسلامية في إسبانيا أن مسلمي إسبانيا يفتقرون إلى مساجد فقد كونوا في اتحاديتنا عشرات من الأئمة عبر الجامعة الإسلامية في روتردام بهولاندا غير أن هؤلاء الأئمة يرفضون العمل كأئمة مقابل 600 إلى 800 أورو شهرا وكان مسلمون إسبانيا منذ سنوات عديدة وهم يطالبون بدروس في التربية الإسلامية في المدارس الحكومية الإسبانية بدون جدوى حيث لا يوجد إلا عدد ضئيل في التربية الإسلامية مقابل حوالي 300 ألف تلميذ مسلم يزاولون دراساتهم في المنظومة التربوية الإسبانية وفي مقاطعة كاتالونيا حيث يوجد عدد هائل من أبناء المسلمين يدرسون في مدارس المقاطعة ويقول السيد غيدوني “إنني وجمع من الإخوان ومنذ سنوات عديدة نطالب بمعلمين في التربية الإسلامية لأبنائنا لم نجد أذنا صاغية ويشكو مسلمو إسبانيا من قلة الإمكانيات من أجل تكوين أئمة في المستوى قادرين على تلبية احتياجات مسلمي هذه الديار دينا وأخلاقا وتربية وتوعية، وقال أحد الخبراء الأسبان إنه طال الحديث عن الإرهاب والتطرف والحل هو التربية وما أدراك ما التربية، فالجهل ينتج عنه الإرهاب والتطرف وكان المرحوم الشيخ محمد الغزالي الداعية الإسلامي الكبير يرددها قائلا: “إن آفة الإسلام هي الجهل والتعصب وهذا ما نشاهده في أوروبا وبضاعتهم من الثقافة الإسلامية لا تكاد تذكر، فهم يجهلون اللغة العربية وأركان الإسلام وحسن الجوار والتسامح والتعايش وما قاله الإسلام في هذه المواضيع، وهم يتحدثون عن الجهاد وهل هم يعرفون الجهاد، وهل الجهاد سفك دماء أناس أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري وهناك تقصير من المثقفين المسلمين في الغرب إن لم يكلفوا أنفسهم مسؤولية توعية هذا الجيل وتعليمه تعاليم الإسلام السمحاء والله الموفق.