المرأة و الأسرة

علمنـــا رمضــــان أننـــا نستطيـــــع

أ. صباح غموشي /

على مر السنوات نعتاد على نمط حياة معين وعلى تفاصيل تطبع يومياتنا ربما رسخت فينا عادات وسلوكات وذهنيات معينة نعتقد أننا لا نستطيع تغييرها، أو لا نستطيع الاستغناء عن بعضها.. وهذا ما تحدثه النوائب والمصائب والتغيرات الكبرى في حياتنا فجأة من فارق بين الذين يثبتون والذين تفتنهم وتهزهم هزا من أعماقهم فيفشلون في أبسط امتحانات الحياة..
ولعل ما حدث في بداية هذا العام قلب كثيرا من الموازين في حياتنا رأسا على عقب وغيّر في لمح البصر كثيرا من مخططاتنا وتفاصيل يومياتنا.. ومع محنة وباء كورونا اضطر العالم كله ونحن معه إلى التوقف فجأة عن سيرورة الحياة كما اعتدنا عليها وظللنا ننتظر اليوم بعد اليوم والأسبوع بعد الأسبوع والشهر بعد الشهر لتعود الحياة إلى طبيعتها ونعود إلى يومياتنا التي اعتدنا عليها، وكنا في كل مرة نقول أننا لن نستطيع العيش هكذا ثم تمر الأيام ونعيشها بشكل عادي..
وأتى رمضان علينا والوباء يحاصر يومياتنا ويغلق منافذ الحياة العادية دوننا ومساجدنا مغلقة دوننا، فاحترقت قلوبنا واحتارت عقولنا..كيف ستمر أيام رمضان علينا ونحن في الحجر المنزلي، كيف ستمر لياليه دون أن تسكن الروح العطشى لتراويحه، كيف يحتمل القلب ألا يلقي بما يثقله من هموم وما يكبله من ذنوب وآثام على سجادات المساجد يبللها بدموع التوبة وزفرات الخشوع.. كيف ستمر ساعات السحر على من تعودوا الخطوات المتسارعة إلى المساجد ليعيشوا أغلى لحظات العمر في التهجد والاعتكاف.. كيف وكيف كيف.
لا أحد تصور كيف سيمر عليه رمضان عام كورونا.. ولا أحد تصور أنه يستطيع عيش نفحاته وخشوعه وبركاته بالقدر الذي كان يعيشها في ساحات المساجد التي تكتظ عن آخرها في أواخره وتهتز جنباتها بآهات التائبين وأنات المذنبين ودمعات المستغفرين وزفرات الأوابين ودعوات المقبلين. لكن المفاجأة كانت مذهلة.. وعطايا الرحمن كانت مدهشة وأيقن المؤمنون حقل أنه فعلا كما يقال « لعله خير»..
فحين أغلقت المساجد غدت كل البيوت مساجد.. وحين حرمنا قراءات ندية لقراء تعودنا الصلاة خلفهم غدا كل الأزواج والآباء والأبناء قراء بيوتهم.. وحين كنا نصلي وقوفا وجلوسا وركعتين وأربعا ربما وينتابنا التعب غدت تراويحنا تامة كاملة نحرص على تمامها ونرجو أجرها.. وحين أغلقت مدارسنا القرآنية فتحت في ساعات يومنا كله مصاحفنا ولم تهجر فتسارع المريدون للعيش مع القرآن تلاوة وحفظا وتدبرا ومدارسة وتنافسا في المسابقات والمخيمات الإلكترونية عبر الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي.. وحين كانت تنسينا كماليات الحياة ورفاهية العيش وتخمة البطن وتفاخر الموائد جوع الفقراء واحتياج المحتاجين غدت أيادينا سخية بالصدقات وأنفسنا طيبة بالمسارعة للخيرات وأموالنا وإن قلت مقسومة بيننا وبين فقرائنا ومن أحوجتهم محنة جائحة كورونا بسبب توقفهم عن العمل.. وحين كانت تقعدنا المشاغل ومتاعب يومنا عن قيام الليل فتغفو أعيننا ويفوت فجرنا أحيانا غدت كل ليالينا مضيئة بقناديل قيامنا وتهجدنا وشهدت ملائكة الرحمن قرآن فجرنا وأصوات دعائنا فحملته على أجنحة الفوز إلى السموات العلى تستفتح لرحماتها وغفرانها والعتق من نيرانها .. وحين كانت تضيع عشرنا الأواخر في الأسواق ومحلات الألبسة والحلويات تسارعت قلوبنا للختم ولهثت ألسنتنا بالدعاء والذكر وسكنت أروحنا لتحري أجر وفضل والفوز بليلة القدر..
حين ظننا أننا لا نستطيع فعل شيء بسبب الحجر وتعللت أنفسنا المتهالكة بالظروف.. علمتنا مدرسة رمضان أننا نستطيع فعل كل شيء وبشكل كبير من التميز.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com