قضايا و آراء

كفاءة الترشح للإمارة ومسؤولية النواب في التشريع والاستشارة (1)/ محمد مكركب

يُقْبِل كثيرٌ من الناس عالميا على حب مناصب الشهرة، وتولي مسؤولية الإمارة، بين رغبتي المال والدلال، في تسيير مجالس البلديات والولايات، مع نقص في الكفاءات، وضياع الأمانات، يتهافتون على مناصب للإدارات والوزارات والإمارات، والغالبية منهم لا يبالون بخطر المسئوليات، وقد لا يفكر أكثرهم في العاقبة ماذا يقولون لربهم يوم الفصل، وما أدراك ما يوم الفصل، فأين العلم والتخصص والكفاءات؟. ألم يعلم المترشح للإمارة عن طريق الانتخابات العصرية أنه مُقْدِمٌ على ميزان الاختبار، إما الجنة أو النار؟ ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾.

أخبرنا الله تعالى في قصة يوسف، عليه السلام، أنه عندما حضر عند الملك وعلم أن الدولة في أزمة اقتصادية، ومُقْبِلة على محنة تقتضي كفاءات مخلصة، وقدرات علمية أمينة:﴿ قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾  ولما علم الملك أن يوسف، عليه السلام، ذو كفاءة وأمانة لم يقل له، ولا أحد من حاشيته، بأنك لست من الحزب الموالي لنا، أو أنت لست من العائلة المقربة، أو أن المشاريع يجب أن تعطى للسمسار القاروني الفلاني، أو حتى يقبل الانتهازي الهاماني الفلاني. إنما سَلَّم له مفاتيح الخزائن كلها، ومقاليد الأمور جميعها. قال الله تعالى:﴿ وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال القرطبي:” ولما فوض الملك أمر مصر إلى يوسف تلطف بالناس، وجعل يدعوهم إلى الإسلام حتى آمنوا به، وأقام فيهم العدل، فأحبه الرجال والنساء”. ونجح في الاستشارة، والإمارة، والإدارة، وجنَّب مصر من أكبر أزمة اقتصادية. لماذا نجح؟ إنه:﴿حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ وفي الحديث. حَدَّث  عبدُ الرحمن بنُ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا] (مسلم. كتاب الإمارة.رقم:1652) وعندما يسأل أبو ذر، رضي الله عنه، لماذا لا يوليه الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، الإمارة؟ فيكون الجواب:[ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا] هذا الحديث فيه تحذير شديد للذين يترشحون لمناصب المسئوليات، خاصة من كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك المهام على الوجه الأكمل، ثم الخزي والندامة لمن لم يكن له كفاءة تساوي تلك المسئولية، أو كانت له الكفاءة وتهاون ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه، حتى يندم على اليوم الذي ترشح فيه، وسأل ما لم يكن قادرا عليه.

هناك ناس يتهافتون على المسئوليات ويترشحون للانتخابات، وبعضهم لا يستطيع القيام حتى بشئون نفسه، ويزعم أنه يخدم الأمة، ويدافع عن الحقوق. ومنه قصة أحدهم في بلد عربي أسيوي سأل عالما: هل يجوز لي الترشح لمنصب نائب في مجلس الشورى؟ قال له: هل تحفظ وتفهم سورة الشورى، قال: لا، قال العالم: وكيف تكون في مجلس الشورى، وأنت لا تعي سورة الشورى؟ عيب على مستشار أو إداري أو مسئول في بلد إسلامي، لا يحفظ آيات الأحكام، وأحاديث الأحكام، وهل يستقيم الرأي البشري بغير أحكام القرآن والحديث؟. هل علمتم ما معنى ﴿اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ عن أبي موسى، رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله، أمرنا على بعض ما ولاك الله، عز وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: [إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ] (مسلم.كتاب الإمارة.1733).

ونحن إذ نوصي الموظفين والمديرين وعامة المسئولين، ومن يسمون مجازا بالمنتخبين، نوصيهم بضرورة الكفاءة، والإخلاص، والصدق، والأمانة، لأننا نحب لهم الخير، كما نحبه لأنفسنا، وهذه هي نصيحة حبيبنا رسول الله، صلى لله عليه وسلم، وهو يربي ويؤدب أبا ذر. [يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ](مسلم. كتاب الإمارة:1826).

هل تعلم ما معنى مسئولية رئيس بلدية؟ على سبيل المثال؟ معناه أن لا يبقى أحد من سكان البلدية، يحتاج مسكنا، أو مقعدا للدراسة، أو الطريق، أو المواصلات، أو المستشفى، والماء، والكهرباء، ولا يبقى شاب بدون عمل، ولا فقير أو أرملة أو يتيم بدون رعاية، وأن يحقق لسكان البلدية الاكتفاء الذاتي من كل شيء. وفق حضارة العصر. وإذا لم يستطع يقال له: [لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ] ما الذي أكرهك على ذلك؟ فالذي طلب المسئولية يجب أن يحقق مقاصدها، ولا يعذر بعراقيل غيره.

عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: [ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته]( مسلم.كتاب الإمارة.رقم:1829).

وبما أن رئيس البلدية، ووالي الولاية، ووزير الوزارة، وغيرهم لا يجمع كل أدوات الاجتهاد، والمعلومات العلمية والتقنية للقيام بكل شئون المسئولية، وجب عليه أن يجمع العلماء المتخصصين في كل الفنون، يستشير منهم من يستشير، ويولي منهم من يولي، ويكلف منهم من يكلف. أما إذا وَلَّى على أمور الناس العاجزين والجاهلين، فقط لأنهم من حزبه أو من عشيرته، أو من الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، فيا ويله يوم لقاء ربه، فيا ويله يوم لقاء ربه. ففي الحديث: [ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة] وفي الرواية الأخرى: [مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ، إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ] (مسلم. كتاب الإمارة).

وأمر يجهله أو يغفل عنه كثير من الموظفين والمسئولين، وجهل الموظفين في تضييع الأمانات، وإهمال الواجبات. وأما جهل المسئولين فهو في تفريطهم في محاسبة ومراقبة العمال، لأن كل عامل يحاسب عليه المسئول، الذي وظفه، والمسئول الذي يشرف عليه، ولا يعفى العامل نفسه من أغلاطه، وما ضيعه.

فعن عدي بن عميرة الكندي، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: [من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا، فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة]، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال: [وما لك؟] قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: [وأنا أقوله الآن، من استعملناه منكم على عمل، فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى] (مسلم. كتاب الإمارة.1833).

والكفاءة المطلوبة للإمارة في فن الاستثمار وقواعد الاقتصاد، يجب أن تكون دقيقة، لأن كل إطارات الدولة و(المنتخبين) مسئولون عن كل دينار ودرهم من أموال المواطنين، إذا أُسْرِف دينار، أو بُذِّرَ دينار، أو لم يستثمر دينار، يحاسب عليه المسئول يوم القيامة، وإذا كانت طريقة المحاسبة التي كان يقوم بها ذو القرنين، أو الرسول، صلى الله عليه وسلم، أو عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، غير موجودة الآن، فلا يظن من يخون الأمانة ولم يحاسب، أنه ينجو من العقاب ﴿مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾.

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com