«وليسعك بيتك»

د/حجيبة شيدخ /
كنت أتابع القنوات العربية في دعوتها إلى الحجر ، واطلعت على العبارات التي وضعت في زواياها تدعو إلى المكوث بالبيوت فما وجدت أحسن مما ورد في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم -: «وليسعك بيتك « ولكن مع الأسف لم أجد أيا من هذه القنوات العربية الإسلامية اتخذته شعارا وقد أحصيت بعضا منها: اقعد في دارك -شد دارك – ابق في بيتك -بيتك أمنك – وليسعك بيتك…
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال -صلى الله عليه وسلم – (أمسـك عليكَ لسانكَ وليَســعْـكَ بَـيـتـُـك وابـكِ على خطــيـئـتـكَ) رواه أبو عيسى الترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن.والحديث يوحي بما كان عليه الصحابة -رضوان الله عليهم – من حرص على ما ينجيهم من المهلكات في الدنيا والآخرة.
وهذا الحديث قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم – للصحابة في الظروف العادية، وقد جمع محاسن لو تمسك الإنسان بها لنال فعلا النجاة في الدنيا والآخرة.
كم من الأشخاص في زماننا يبنون بيوتا لكنها هشة كبيت العنكبوت، فبمجرد مرور سنة أو سنتين يصبح البيت يضيق بأهله، لأن الزوجين لا يجدان ما كانا ينتظرانه من هذا الزواج، فهما لم يبنياه على أسس سليمة. ففي كثير من الأحيان يتحول البيت إلى مكان للنوم يلتقي فيه أفراد الأسرة مساء ويفترقون صباحا، ويتيه الأطفال مع صداقة المفاتيح ومؤانسة الجدران.
إن تعبير الرسول -صلى الله عليه وسلم – بقوله: ‘’وليسعك بيتك «فيه بلاغة جلية، فالإنسان إذا كان يلبس ثوبا ضيقا لا يمكن أن يكون مرتاحا في جلوسه وتحركه، و’’فليسعك بيتك’’، فيه دعوة إلى أن يجعل الإنسان هذا البيت مريحا يشعر فيه بالأمان إذ الاتساع دليل على الراحة والاستقرار.
ولكن هل يعني الاتساع، الاتساع المادي، أي أن تسكن بيتا فاخرا كبيرا، وإلا لن تشعر بمعنى الحديث؟؟.كلا إن قول الرسول -صلى الله عليه وسلم – وليسعك بيتك دعوة إلى أن يجعل الإنسان بيته مملكة سعيدة، وإن كان ضيقا، فكم من الأشخاص الذين ملكوا القصور لكنهم لم يعيشوا سعداء لأن بيوتهم لم تبن على الحب الأسري والحوار والاهتمام المتبادل،فتاهوا يبحثون عن السعة الروحية في غيرها.
لقد كشفت كرونا حسب المحاكم في العالم كله أن أغلب الناس ضاقت بهم بيوتهم، وأن أكثر حالات الطلاق وقعت في فترة هذا الحجر. والخلل يرجع إلى أن هؤلاء ما كانت بيوتهم تسعهم في أيام الرخاء وأيام العافية، فضاقت عليهم في أيام الشدة، كم من الأسر اكتشفت أنها لا تعرف أبناءها لأن الحياة شغلتهم عنهم، فأدركوا كم أتعبوا المدارس بهؤلاء الأبناء المتمردين المشاكسين، فراحوا يعتذرون عبر الرسائل المتتالية في ووسائل التواصل الاجتماعي إلى الأساتذة والمعلمين عما لاحظوه من متاعب في احتواء أبنائهم. إننا نحتاج إلى أن تسعنا بيوتنا في جميع أحوالنا وليس فترة الحجر الإجباري فقط.
إن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم – فيه دعوة إلى القضاء على كثير من المظاهر السيئة التي تفشت في حياتنا، مثل الخروج الغير منضبط بالنسبة للنساء ومزاحمتهن للرجال في الأسواق ، وتخلي كل من الوالدين عن المسؤولية المنوطة بهما في تنشئة الأبناء، وكل يبرر تخليه بالتزاماته الخاصة.
كرونا أعادت للأفراد المساواة في تحمل أعباء الأسرة، فأما الأسر التي بنيت على الدين فإنها تثبت، وتخرج من الأزمة أكثر تماسكا وتفوقا، وأما التي بنيت على أسس هشة فإنها ستخرج أكثر هشاشة، لأنها لن تستوعب أفرادها نفسيا وتربويا.
وبمناسبة كرونا وتكملة الحديث «وابك على خطيئتك» فإن المقال مناسب لظروفنا، إن فترة الحجر فرصة لمراجعة أخطائنا والتوبة الصحيحة ومحاولة الرجوع إلى الله رجوعا حسنا.
صلى الله على سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.