قضايا و آراء

كُتب عشت لها (5) «صدام الحضارات» لصمويل هنتغتون

أد. مولود عويمر /

صدر «صدام الحضارات» للمفكر السياسي الأمريكي صمويل هنتغتون للمرة الأولى باللغة الإنجليزية في عام 1996 بالولايات المتحدة الأمريكية، وصدر باللغة الفرنسية في عام 1997. غير أن هنتغتون نشر في عام 1993 مقالا شهيرا تضمن أفكاره الأساسية التي فصّلها في هذا الكتاب.
وقد اطلعت حينئذ على نصه المترجم في مجلة كومنتير (Commentaire) ما زلت احتفظت بنسخة منه إلى اليوم. وهذه المجلة الفصلية هي لسان حال صفوة المفكرين الغربيين المنتمين للتيار اليميني الليبرالي المعتدل، وتعتبر واحدة من المجلات الأربعة الكبرى بفرنسا التي تؤثث باستمرار الإيديولوجية الفرنسية بتياراتها المتعددة بالأفكار الجديدة.
ولما صدر هذا الكتاب كانت قد تكوّنت عندي بالإضافة إلى ذلك المقال والمقالات الأخرى التي انتقدته، تصوّرا شاملا للموضوع. ولقد بذل الكاتب جهدا كبيرا لعرض أفكاره والدفاع عن وجهات نظره، والتنبيه إلى جلال موضوع مصير العلاقات الدولية ما بعد الحرب الباردة وخطره. وسأشير هنا إلى 3 أفكار كبرى.
في نشوة الفرح بسقوط المعسكر الشرقي اعتبر هنتغتون ومعه بعد ذلك فوكوياما أن التجربة التاريخية للإشتراكية والشيوعية انتهت بالفشل ولم يعد لها أي مستقبل. والحق أن هذه الأيديولوجيّة فشلت لأسباب ذاتية لكنها أيضا فشلت لأسباب خارجية مرتبطة بالظروف السياسية والاستراتيجية التي صنعتها الدول الكبرى الرأسمالية.
ولا شك أن أي أيديولوجيّة تجتمع فيها كل أنواع الخلل لا تستطيع أن تقاوّم حركة السقوط. والأيديولوجيّة الليبرالية ليست في مأمن عن تأثيرات الهدم، ولن تكون الاستثناء كما يتصوّر صمويل هنتغتون.
يرى هنتغتون أن العلاقات بين الدول لن تحدّدها في المستقبل العوامل السياسية والاقتصادية، وإنما ستحدّدها الاعتبارات الثقافية والحضارية المطعمّة بالروح الدينية مما سيولّد عنها صراعا بين الحضارات وصداما بين الثقافات التي تتميّز كل واحدة منها بخصوصيات ومقوّمات لا تقبل المساس بها، ومستعدة للدفاع عنها بكل ما تملك من أشكال المقاومة، هذا إن لم تكن تريد تعميمها على الثقافات الأخرى بكل وسائل القوة.
الحضارة الغربية هي المهيمنة لحد الآن لكن مكانتها الأولى تهدّدها -حسب هنتغتون- 7 حضارات أخرى قائمة. ودون أن أناقش هذا التصنيف غير الدقيق، أذكرها هنا كما جاءت في كتابه: الصينية، اليابانية، الهندية، الإسلامية، اللاتينو-الأمريكية، الإفريقية، الأرثوذكسية.
بيّن هنتغتون في كل حضارة أهم مقوّماتها وعناصر قوتها ودرجة خطورتها على الحضارة الغربية. وهذه الحضارات ستزاحمها بشراسة في المستقبل في الميادين المختلفة.
ومن هذه الحضارات السبع اعتبر الحضارة الإسلامية هي الأكثر خطورة. وما زاد من قيمة دفاعه أحداث 11 سبتمبر 2001 وما ترتبت عنها من الحروب في أفغانستان والعراق وارتفاع موجة الإسلاموفوبيا في العالم الغربي.
تتبعت بشغف مقارباته الفكرية وتحليلاته السياسية وأبعاده الإستراتيجية التي حظيت باهتمام واسع في العالم، تارة بالثناء والإعجاب، وتارة بسيل من الانتقادات من طرف العلماء والمثقفين والسياسيين الشرقيين والغربيين.
لقد راسلني في تلك الفترة (1994) صديقي دراوي – هو الآن أستاذ بجامعة خميس مليانة- الذي سأل عن قراءاتي الجديدة فأجبته برسالة طويلة شرحت له فيها أهم الأفكار التي استوعبتها آنذاك عن نظرية هنتغتون حول صدام الحضارات.
وبعد سنوات قدمت مجموعة من المحاضرات حول هذا الموضوع، ونشرت مقالات حول الحوار والصراع بين الحضارات، وختمتها بإصدار كتاب «الإسلام والغرب بين رواسب التاريخ وتحديات المستقبل»، وكانت لأفكار هنتغتون المنشورة في كتابه «صدام الحضارات: نصيبا من التقدير والنقد بشكل مباشر أو غير مباشر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com