البصائر والسياسة/ التهامي مجوري

وصلتنا رسالة من الأخ الدكتور عبد الحفيظ بوناب أحد القراء الأوفياء للبصائر، يعاتبنا على تغيير الركن من “مع رئيس التحرير” الذي بدأناه في الصفحة الأخيرة، إلى “حديث في السياسة” الذي اخترنا له الصفة الثانية؛ وتمنى لو بقي الركن السابق لكان أفضل “تمنيت لو أبقيتم على هذا الباب من الحوار الذي فتحتموه مع القراء ب”مع رئيس التحرير” لأن هذا أشمل وأعم “.
نشكر الأخ عبد الحفيظ على هذه الملاحظة وأنا معه في ذلك على طول الخط، ولكن هذا الركن أردناه مساحة للحوار بين أبناء الجمعية ليؤسس لمفهوم مشترك بين قيادة الجمعية وقواعدها، وجميع أبنائها لممارسة الإصلاح والدعوة إلى الله، عبر حوار مثمر، نثير فيه مناقشة الوسائل القديمة وتقييمها ونقدها وطرح الإشكالات القائمة وكيفية استثمار الوسائل الجديدة وتوحيد الرؤى المتباينة، لا سيما وجريدة البصائر لسان حال جمعية إصلاحية دعوية، وهمها الفكري الدعوي أكبر من أي هم آخر، ولكن بكل أسف لم نوفق في ذلك ولم يصلنا من التساؤلات إلا القليل من بعض القراء، وأغلبهم من غير إطارات الجمعية، طرحوا استفسارات وتساؤلات أجبنا عليها في حينها.
فغيرنا الركن بموضوع في مقال للرأي، واخترنا الحديث في السياسة، بالمعنى الإصلاحي الذي مارسه أسلافنا وليس بالمعنى السياسي الحزبي الذي يركز على الخيارات الجزئية، فحديثنا في السياسة في هذا الركن حديث في إطار القضايا الكلية، ومن نوع الكتابات الجامعة وليس من نوع الكتابات المفرقة.
وقد أرسل إلينا الأخ عبد الحفيظ بسؤال حول معلومة قرأها في كتاب يؤرخ للصحافة الجزائرية، لفتت انتباهه، وهي تصنيف جريدة البصائر –سياسية/ثقافية-، ومن حيث الترتيب هي في المرتبة الرابعة وأرخ لها بالسنوات 1947/1956، وأراد منا التعليق على هذه المعلومة.
أما بالنسبة للتصنيف، فجريدة البصائر فعلا هي سياسية ثقافية، أما مهمتها الأساسية فهي التثقيف، ولكن البعد السياسي في العملية التثقيفية حاضر، وإلا فقدت العملية طرفا منها، لا سيما وأن البصائر كانت يومها تنشط في ظل استعمار استيطاني أراد تجريد الشعب الجزائري من كل شيء.
فالعلماء كانوا يمارسون السياسة كما أسلفنا بطريقتهم الإصلاحية ذات البعد الدعوي التربوي الذي يركز على بناء الفرد والمجتمع في آن واحد، وهذا الأسلوب في الممارسة السياسية حاضر على الدوام، فلا يحضر في الانتخابات مثلا ويغيب في غيرها، ولا يغلب مشروعا حزبيا على مشروع حزبي آخر، ما دامت المشاريع كلها في الإطار الوطني..
أما التأريخ للبصائر بالسنة 1947، فذلك التاريخ هو تاريخ بداية السلسلة الثانية، والسلسلة الأولى من سنة 1935 إلى 1939، وفي الفترة بين السلسلتين كانت الجريدة ممتنعة عن الصدور، بسبب الحرب العالمية الثانية؛ لأن الجمعية طلب منها أن تصدر برقية تؤيد فرنسا في دخولها الحرب العالمية فامتنعت عن برقية التأييد، ولما رفضت التأييد كان متوقعا أن تؤذى ويؤذى رجالها، وذلك ما وقع بالفعل، فقد زج برجالها في السجون والمعتقلات، ومنهم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي نفي من تلمسان إلى آفلو، وانتخب رئيسا للجمعية وهو في المعتقل؛ لأن الشيخ عبد الحميد بن باديس مات في سنة 1940.
وتعطيل الجريدة عن الصدور كان اختياريا، حتى لا تتعرض للرقابة والمصادرة أو فرض نشر ما لا يتماشى وتوجه الجمعية وخط الجريدة الافتتاحي، وهي لسان حال الجمعية.