الإسلام نظام شامل /كمال أبوسنة
الراسخون في العلم الشرعي يدركون جيّدًا أنّ الفكرة الإسلامية شاملة لا تتجزأ، وكاملة غير منقوصة، إذ تهتم بكلّ المجالات التي ترتبط بالإنسان وواقعه، إمّا تأصيلاً أو تفصيلاً!.
وأحبَّ العلمانيون أم كرهوا فإنّ السياسة جزء لا يتجزأ من المشروع الحضاري الإسلامي وهي آلة لا غاية في حد ذاتها، ولعلّ الفرق الواضح بين السياسة الإسلامية والسياسة في الإيديولوجيات الأخرى تكمن في أنّ الإسلام يضبط السياسة بضوابط الأخلاق، أمّا الإيديولوجيات الأخرى فإنّها تعتمد على المذهب السياسي اللاأخلاقي الميكيافيلي: “الغاية تبرر الوسيلة”، و “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس”!.
إنّ الدارس للسيرة النبوّية الشريفة سيجد في أعمال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله المعالم الواضحة لما تُسمى عندنا بـ”السياسة الشرعية” وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعم ما نقوله، وقد ألف العلماء المسلمون من قرون في ذلك المجلدات والأسفار التي استفاد منها بعض ساسة الغربيين أنفسهم…
يحاول فريق من الناس فصل الإسلام عن السياسة بزعمهم ألاّ علاقة للدين بإدارة أنظمة الحكم كما قيل: “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.
والغريب أنّ بعض أبناء جلدتنا من هواة هذا التفكير البعيد عن حقيقة الدين الإسلامي يقرُّون بوجود الله وبأنّه خالقهم ورازقهم، ولكنّهم يقولون له بلسان الحال والمقال: “يا رب نقرّ لك بأنّك الخالق الرازق، لكن دورك ينتهي هنا، ولا نريدك أن تشرّع لنا وتحكمنا بقوانينك”!!!
إنّ الهوى المتّبع الذي يجعل من الإنسان نسخة طبق الأصل لشخصيات روى عنها القرآن اغترّت فضلّت حتى زعمت أنّها أنصاف آلهة، بل الآلهة نفسها، من دون الله ربّ العالمين، سقطت وأسقطت معها أممًا وحضارات، ومجتمعات.
يهوى بعض الكبراء عن حسن نيّة بسبب الجهل بتعاليم الدين الإسلامي، وعن مكر وتزوير للحقائق في بعض الأحيان إشاعة أنّ الإسلام بعيد كل البعد عن سياسة الناس، وما هو إلاّ مجموعة من الأحكام الخاصة بالوضوء والصلاة والزكاة، والصيام والحج، وطقوس انطوائية مبتدعة لا تخرج عن إطار أماكن العبادة والزوايا..!
بل، لقد قام بعض العلمانيين في بلد عربي ببث تفسير أحد العلماء الكبار في التلفزة وبطريقة تقنية ماهرة حذفوا من تفسير القرآن ما له علاقة بالسياسة والحكم، والجهاد والتشريع أو ما يغضب اليهود من الآيات الفاضحة لهم، حتّى صدق فيهم قول الله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾.[سورة البقرة الآية 85].
ورحم الله إمامنا الشيخ عبد الحميد بن باديس العالم الرباني المربي الذي قال: “الحكومة التي تتجاهل دين الشعب تسيء في سياسته وتجلب عليه الأضرار والأتعاب“.[المنتقد العدد 1/2 جويلية 1925].
لابدّ أن يعلم العلمانيون ومن هم على شاكلتهم في الفهم والنهج أنّنا لا نستحي من الدعوة إلى تطبيق أحكام الله جملة وتفصيلا في واقعنا سواء كان ذلك في العبادات أو المعاملات أو الأحوال الشخصية، ولا نجد حرجًا في الدعوة إلى تطبيق حدود الله أو تقبّل قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسلّم له تسليمًا ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.[سورة النساء الآية 65].
وعلى العلماء الربانيين واجب التفاعل مع كلّ قضايا الأمّة من دون استثناء وتبيين أحكام الله فيها سواء ما تعلّق بأمور العبادات ابتداءً أو ما تعلق بأمور إدارة الدولة وما اتصل بها انتهاءً، على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير إفراط أو تفريط أو تشدّد أو تسيّب!.
إنّ الله عزّ وجلّ الذي أنزل آيات فرض الصيام والصلاة والزكاة وغيرها من العبادات هو نفسه الذي أنزل آيات التشريع في السياسة والقضاء والحكم والحدود…
وإنّ التعامل مع الإسلام بنوع من الانتقائية المبنية على الهوى ضرب من الخسران المبين في الدنيا والآخرة.