خواطر في مقاصد الصوم (3) / الهــــلال
أ. خليل عبد السلام /
يقسم الأصوليون الحكم الشرعي إلى حكم وضعي وحكم تكليفي، والحكم التكليفي خمسة أقسام، الواجب والحرام والمكروه والمندوب والمباح، أما الحكم الوضعي فهو المقدمات التي يجب على المكلف مراعاتها قبل الشروع في الحكم التكليفي، وتنحصر في جملة الشروط والأسباب والموانع والرخص والعزائم التي تسبق الحكم التكليفي وتقدم بين يديه.
ولما كان الجمال المرئي أكبر مداخل التأثير في النفس الإنسانية، ربط الله أحكام الوضع بشروط وأسباب متعلقة بالظواهر الكونية ومتقلباتها، فالكون لوحة جمالية بديعة، تهز الشعور الإنساني هزا، وتستهويه للتأمل والتمتع (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب)، (وزيناها للناظرين).
ولما كانت العبادة ضربا من التفكر والتأمل لابد من مفتاح للنفس يفعل هذا التدبر ويحرك مواقعه في النفس، لكي تتهيأ للتفاعل مع وظائف العبادة قبل الشروع فيها، وهذا المفتاح هو الأحكام الوضعية التي نصبها الشارع أسبابا وشروطا للعبادة، وغالبا ما تتعلق بالنظر في آفاق الكون وآياته المبثوثة في أنحائه.
فتعلقت الصلاة بتقلبات الظلال والشمس والقمر والغسق والفجر والشروق والغروب والأسحار وغيرها من مظاهر الجمال المألوفة في الكون، والتي أضعف الإلف والعادة مفعولها الإعجازي الساحر في النفس.
وتعلقت عبادة الصيام بشهود الشهر ومشاهدته (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)، والشهود غير الرؤية، فالشهود هو الحضور الواعي أثناء الرؤية (المشاهدة)، لأن المشاهدة ليست مطلوبة لذاتها، بل لمقصود أعلى هو التفاعل الوجداني مع آية من آيات الجمال الإلهي في الوجود، وهو الهلال الذي يقول الله تعالى في شأنه (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، (وجعلنا الشمس والقمر آيتين)، هذا التفاعل الذي يهيئ القابلية في النفس للتفاعل مع مقاصد الصيام من خلال فتح شهيتها بذوق الجمال.