كورونا.. وتحالف الفيروسات

البروفيسور إبراهيم أبو محمد* /
يقولون: بأن العالم بعد كرونا لن يكون كالعالم قبله، ستتغير خرائط الاهتمامات والأحوال، والتصورات والرؤى.
ستتبدل الأولويات، وتتغير العلاقات الدولية وربما تصعد دول جديدة إلى مقدمة القيادة الدولية والعالمية، وربما تتراجع دول كانت في المقدمة، والمنظومة الدولية المهترئة الآن باتحاداتها ومنظماتها ومؤسساتها بداية من الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة ها، والاتحاد الأوروبي والمنظومة التابعة له، ومجلس التعاون الخليجي المخلخل والمختل، وجامعة الدول العربية النائمة دائمة.
كل ذلك سيتغير ويستبدل بمنظومة أخرى تكون أكثر استجابة وتضامنا ضمن رؤية جديدة للعالم بعد ذهاب الفيروس والقضاء عليه. وهذا ما يحدث عادة من تغييرات وبخاصة بعد الكوارث الكبرى ورصد حجم الخسارة في الاقتصاد باعتباره أولوية وفق منظومة القيم المادية السائدة التي تؤمن بنسبية كل القيم وتمارس ذلك وتطبقه ولا تمنح السيادة في القيم إلا لقيمة واحدة، هي قيمة المصلحة المادية فقط، حيث هي القيمة السيادية الثابتة دائما وفق تلك الرؤية في المنظومتين الأيديولوجتين «الرأسمالية» و«الماركسية».
وفق هذه الرؤية ستكون الخسارة المادية لها الأولوية لا في الحساب فقط، وإنما في الحسبان أولا وقبل كل شيء… ثم أرواح البشر بعد ذلك، تلك رؤية المتفائلين من خبراء علم الاجتماع والمحللين السياسيين والاقتصاديين والراصدين لحركة التاريخ وقوانينه في المجتمعات والناس.
إرهاصات هذا التغيير في الشعوب بدأت في السلوك البشري الطوعي لإنسان عصر «كورونا» وتجلت في العزل الاجتماعي الذاتي والملزم بعد ذلك بقوة القانون وقبله بقوة دوافع الخوف على الذات، الفيروسات المتوطنة في أغلب دول العالم الثالث اعتمدت القهر والاستبداد السياسي والإحباط الذي يشمل دنيا مواطنيهم ويملأ حياتهم بؤسا وذلا.
ثم جاءت جائحة كرونا لتزيد البأس بؤسا فلم ترحم الوطن العربي البائس، ومع أن الطبيعة لا تعرف الفراغ والوطن الكبير بسعة مساحات أرضه مملوء بالسجون والمعتقلات والتهجير القسري والمدن المهدمة من حروب عبثية، وملايين المهجرين وملايين القتلى أيضا، إلا أن الفيروس القادم المستجد لم يكتف بما في الوطن من فيروسات متوطنة، كفيروس الاستبداد والدكتاتورية، وجراثيم السياسة ولصوص المال العام، الذين سرقوا أموال الشعوب وثرواتهم وبددوها في حروب عبثية عبر جائحة استبدادية خماسية الأبعاد أصابت الوطن فدمرت البيوت والبشر، ولم تستثن حتى الأطفال الصغار في سوريا واليمن وليبيا ومصر وفلسطين، فقرر «كورونا» هو الآخر أن يأخذ نصيبا من هذا الكلأ المباح في العالم، وبخاصة في العالم الثالث فأقام علاقة تصالح بينه وبين الفيروسات المتوطنة، فاستفادت منه في مساعدتها على السيطرة الطوعية في ضبط الإيقاع والحركة بسرعة استجابة الجماهير المدفوعة بغريزة الخوف على الحياة لدى أغلب الناس.
في مقابل ذلك اشترط الفيروس المستجد على حلفائه من الفيروسات المتوطنة أن تحظى أخباره وسيرته بزخم إعلامي سلبي يذكر الناس دوما بعدد الضحايا المصابين مع كل يوم، ولا ينسي أن يُذكِّرهم أيضا بعدد الموتى الذين يغادرون دنياهم بلا وداع ولا دموع ولا حتى أبسط الحقوق لمن مات، ولو كان قائدا كبيرا يحمل أكبر الرتب وأعلى النياشين.
الفيروس المستجد لم يكتف أيضا بما فعلته الفيروسات المتوطنة في إذلال الناس، وإنما أصر أن يتفوق على كل الزعامات في إشاعة الاكتئاب، بالحديث عنه وعن إنجازاته، وأن يخطف الأبصار، وأن تتصدر أخباره السيئة والكريهة كل نشرات الأخبار وعلى كل المستويات في الفضائيات والسوشيال ميديا، فاحتل الوافد الغامض المستجد مكان تلك الزعامات في سرعة القتل والإنجاز والتخلص من كل من يعارضه أو يتعرض له على اعتبار أن الكل إرهابيون حتى تثبت براءتهم! ولن تثبت براءتهم إلا.. (بتحليل دمائهم)!
كورونا يغير العالم، فهل ترى فعلا أن المنظومة العالمية ستستجيب وتتغير؟ وهل ستتغير معها المجتمعات الإسلامية وبخاصة بلاد العرب الأجاويد؟ أم أن هذه الدول خارج خريطة الوعي والاستجابة؛ لأنها تقع في دائرة. المستثنى بإلا.
* المفتي العام للقارة الأسترالية