الـمسلمــــون فــي رمــضــــان بيــن صــيــام النفـــوس وصــيــام الأبـــدان
الشيخ محمد مكركب أبران /
صيام النفوس تَهْذِيبُهَا وتَعَلُّقها بحب خالقها، وصيام الأبدان اصطلاحا: الإمساك عن الطعام والشراب والنشاط الجنسي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قال محاوري ولكن هذا هو الصوم، قلت لو أكملت الشرطين لكان حقا، قال ما هما: قلت ما قَرَأْتَهُ في المقال السابق: «أن يكون الصيام ايماناً واحتساباً لله تعالى».فالصوم الحق عندما يصوم الإنسان بكل مكوناته الشخصية الحسية والمعنوية، قال: وما مكوناته الشخصية؟ قلت: من هنا نبدأ:
كمال شخصية الإنسان بعناصره الأربعة، وكلها يجب أن تصوم: ببدنه الذي يقتضي حفظ صحته وسلامته، ونفسه التي أُمِرَ بتزكيتها، بالعلم والذكر والعمل والتدريب.وروحه التي هي جوهر وجوده وإحساسه ومشاعره، وعقله الذي هو السلطان المدبر وله القيادة والمسئولية.
والمسلم إنسان كسائر البشر، ويعلم بعقله مِمَّا عَلِمَهُ من شريعة ربه، أنه خُلِقَ وَوُجِد في الدنيا لِمَهَمَّةٍ خَاصَّةٍ ثم يمضي إلى عالم آخر يختلف كل الاختلاف عن خصائص الدنيا. قال محاوري ومتى يكون هذا الانتقال؟ قلت: أأنت مستعد؟ أنسيت جواب رسول الله؟ وماذا أعددت لها؟ يكون الرحيل إذا حان أجل كل واحد منا. أما نهاية الدنيا على الجميع. قال الله تعالى:﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (سورة إبراهيم:48).
فالمسلم الصائم بنفسه وعقله يعلم أن الصوم ركن من أركان الإسلام، وأنه فَرْضُ عينٍ على كلِّ رجلٍ وامرأةٍ، وأن الصوم الفرض هو: صوم كل نهار من شهر رمضان من كل عام، من طلوع الفجر إلى الليل. إلا أن بعض المسلمين يصومون بأبدانهم أكثر مما يصومون بنفوسهم وأرواحهم وعقولهم. وبعضهم لا يقتصر صومه عن بدنه فسحب، بل تجد منهم من يصوم لبدنه،(يعني من أجل إشباع بدنه) حيث يُعِدُّ لرمضان ما يأكل وما يشرب، أكثر مما كان في غير رمضان، ويخطط لمجالس السهرات، والأفلام والمسلسلات، واللعب والفكاهات وما قد يقرب للشهوات. وقد ينسون ترتيل القرآن، وتدبر آيات الأحكام، وصلاة القيام، والذكر والدعاء والصدقات.
ما هو صيام النفس؟
عندما يصوم المسلم عن علم وفقه، بأن تكون نفسُهُ مطمئنةً راضيةً، وأن تعبد ربها، عن طاعة وإرادة وحُبٍّ، وهذه هي العبودية الخاصة لله تعالى. ولن يبلغ المسلم درجة استقامة النفس، إلاّ إذا رباها وزكاها بالمقومات الإيمانية والعلمية.
ومن المقومات الإيمانية: تدبر الآيات القرآنية، والأحاديث النّبوية، وباستمرار في ترتيل القرآن الكريم، مع الحرص على فهم معنى الآيات في الخطاب القرآني. بدءا بتدبر آيات الصوم. من سورة البقرة. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾ وعندما يستطيع المتدبر أن يعبر بقلبه ولسانه معا تعبيرا واضحا، وكأنما يجيب عن سؤال: مما معنى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم} ليعلم أن المسلمين الصائمين بأنفسهم وعقولهم يصومون كما كتب عليهم لا تقليدا ولا عادة بغير علم. إلى أن يصلوا بالنسبة لآيات الأحكام فقط، إلى قوله:﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ وليركز متدبرا التوجيه الحكيم. بين قوله تعالى:﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وقوله تعالى:﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ومن المقومات الإيمانية: قيام الليل ليس في رمضان فقط، ولو بركعتين، ومن المقومات الإيمانية: حضور مجالس العلم أو حلقات العلم والذكر. قال محاوري: وما هو الذكر الذي نداوم عليه؟
قلت: ها قد بدأت تفهم، عندما تسال وتتساءل عن المقومات الإيمانية والروحية. فاسمع.ذكر الله أن تذكر الله قاصدا عبادته بما تعبدنا، أو قاصدا دعاءه، بأسمائه الحسنى، أو قاصدا تذكير نفسك بالعقاب إن خالفت أمره، أو تذكيرها بالثواب إن استقامت كما أمر سبحانه. وإذن فإن ذكر الله -عز وجل – يكون باللسان والجَنَان والأركان. والعبادات كلها ذكر،والتفكر والاعتبار بالقلب فالذكر يكون بكل حواس الإنسان، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن الله أمر أوامره فجعل لها حدوداً وأوقات، أمر بالحج وحدد له زمناً، وأمر بالصيام وحدد له وقتاً، وأمر بالصلاة وحدد لها أوقاتاً، إلا الذكر فلم يحد له حداً، قال: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾(النساء:103) أي: اذكروا الله براً وبحراً، واذكروا الله حضراً وسفراً، واذكروا الله في الصحة والمرض، واذكروا الله عند الغنى والفقر، واذكروا الله تعالى في الكبر والصغر وفي جميع الأحوال.
ومن المقومات العلمية: الحوث العلمية والمشاريع العمرانية الحضارية، ولكن الناس يختلفون في مستوياتهم وقُدُراتهم واهتماماتهم. فأهم المقومات العلمية للمسلم العامي العادي الذي لم يرتق في درجات العلم، هو أن يطلب العلم لتحسين مستواه بالقدر الذي يناسبه، وهذا هام جدا بالنسب للعامة،فإذا كان هذا هَمُّهُ وتعلق بتحسين مستواه المعرفي، فإن حياته تتجدد بشكل كبير بإذن الله، وتسهل له كل الواجبات بفضل الله تعالى. وإذا كان صاحب حرفة فالمقوم العلمي له أن يتعلم كيف يبدع في حرفته. وإذا كان طالب علم، فإن المقوم العلمي له أن يتخذ مشروعا نافعا. كل الناس الذين لهم مشاريع ذاتُ شأنٍ في حياتهم، يكونون في صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وذكر ربهم وكل أعمالهم، يكونون مطمئنين، لايهتمون بالاستمتاع المادي، ولا ينشغلون بأبدانهم وغرائزهم إلا بقدر الواجب في حفظ الصحة. ولكنهم لا يستولي عليهم الهلع والجزع والخوف من المستقبل، لسبب بسيط لأنهم يخافون الله، فإذا جاء الشيطان يخوفهـــم فلا يخافونه. الشيطان يعد الناس الفقر ويأمرهم بالفحشاء، والله سبحانه وتعالى يَعِدُ بالمغفرة منه والفضل والرحمة، فكلما صلى العبد لله بنية صادقة وإخلاص تام لله وحده لا شريك له، وصام إيمان واحتسابا، فليعم أنه في رحمة الله لا يجزع ولا يهلع.
هل في رمضان يحتاج النّاس الأكل أكثر من غير رمضان؟ إنّ ما يحتاجه الإنسان لبدنه هو، في رمضان وفي غير رمضان.والقضية قضية ترتيب وتنظيم، وقد يكفيه في رمضان أقلّ ممّا كان يحتاجه في غير رمضان.