عام هجــري جــديد …وفضــل يوم عاشــوراء/ بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة

أَهلَّ علينا قبل أيام عام هجري جديد، حيث وَدَّعنا عاماً هجرياً قد طُوِيَ في عمر الزمان،
لذلك يجب على كل واحد منا أن يقف مع نفسه وقفة محاسبة كي يأخذ العبر والعظات، وبهذه المناسبة فإننا نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العام خيراً من سلفه، وأن يجعل خلفه
خيراً منه، فما من يوم يبزغ فجره ويسطع ضوئه، إلا ويناديك يا ابن آدم، أنا يوم جديد وعلى
عملك شهيد، فاغتنم مني بعمل الصالحات فإني لا أعود إلى يوم القيامة، وما من ليل يُرخى سُدُولَه
وينشر سكونه، إلا ويناديك يا ابن آدم، أنا ليل جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني بطاعة الرحمن
وطلب الغفران فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
فما أحو جنا في مثل هذه الأيام أن نحمد الله عز وجل على ما وفقنا إليه من صالح الأعمال، فالفضل كله لله سبحانه وتعالى وحده، أن هدانا إلى الطريق القويم والصراط المستقيم،{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ}(1)، ثم نعقد العزم وَنُوَطِّن النفس على أن
نواجه العام الجديد بقلوب مؤمنة ونيات صادقة، ورغبة أكيدة في فعل الخير واتباع الحق، وطاعة
الله وتقواه.
إن الواجب علينا أن يراجع كل واحد منا أعماله خلال العام الماضي، فإن وجد خيراً فليحمد
الله، وإن وجد غير ذلك فعليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، فالله سبحانه وتعالى فتح باب التوبة على مصراعيه لكل إنسان كي يعود إلى محراب الطاعة.
ومن فضل الله على أمتنا الإسلامية أنه غفور رحيم، وأن رحمته سبقت غضبه كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ}(2)، كما وصف سبحانه وتعالى حبيبه محمداً -صلى الله عليه وسلم- بقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}(3)، فهو -صلى الله عليه وسلم- البشير قبل النذير، ومن المعلوم أنه – عليه الصلاة والسلام – كان يغتنم كل مناسبة لتبشير الناس وترغيبهم في عفو الله ورحمته، وإظهار فضله وكرمه كيف لا؟ وهو القائل: “بَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا ، يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا”(4) .
فضل شهر الْمُحَرَّم:
من المعلوم أنه لا يوجد شهر من الشهور يُسَمَّى شهر الله إلا هذا الشهر الكريم، شهر الْمُحَرَّم، وهو من أشهر الله الحُرُم، وهذه النسبة نسبة تكريم وتشريف كبيت الله الحرام، فقد جاء في الحديث الشريف: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) (5).
فضل صيام عاشوراء:
في هذا الشهر الكريم يوجد يومٌ عظيمٌ من أيام الله وهو أعظم أيام هذا الشهر، ألا وهو يوم عاشوراء، فعن أبي قتادة الأنصاري – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: (…وصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ)(6 ).
ومما يدل على فضل صيامه ما روى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ – يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ) ( 7).
سبب صيام عاشوراء:
يوم عاشوراء هو اليوم الذي أنجى الله سبحانه وتعالى فيه موسى عليه السلام وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فكان اليهود يصومونه شكراً لله تعالى على هذه النعمة العظيمة، فالله سبحانه وتعالى أنجى عباده المؤمنين، وأهلك القوم المجرمين، أنجى موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فهذه نعمة عظيمة، كما جاء في الحديث الشريف: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:(مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) (8)، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “نحن أولى بموسى منكم”، لماذا؟ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم – والذين معه أولى الناس بالأنبياء السابقين –عليهم الصلاة والسلام- كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(9).
مراتب صومه:
قال الإمام ابن القيم- رحمه الله- في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد): (فمراتب صومه ثلاثة، أكملها: أن يُصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك: أن يُصَام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم)(10).
فهناك من يصوم التاسع والعاشر لما ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: (حِينَ صَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ يُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ
– إِنْ شَاءَ اللَّهُ- صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ)، قَالَ:(فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم-) (11).
أهم الأحداث التي وقعت في شهر الْمُحَرَّم:
ونحن هنا نذكر بعض الأحداث المهمة التي وقعت في شهر المحرم، ومنها:
- 6/محرم/27هـ: تجهيز جيش المسلمين لفتح أفريقيه.
- 10/محرم/61هـ: يوم عاشوراء واستشهاد الحسين بن علي –رضي الله عنهم أجمعين-.
- 11/محرم/20هـ: عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يُوُجِدُ ديوان الجند.
- 13/محرم/7هـ: غزوة خيبر، وقد فتح المسلمون حصون خيبر حصناً حصناً.
- 14/محرم/7هـ: قدوم جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – من الحبشة.
- 19/محرم/16هـ: وفاة مارية القبطية – رضي الله عنها-وهي أم إبراهيم بن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
- 27/محرم/676هـ: وفاة السلطان الظاهر بيبرس.
- 28/محرم/430هـ: وفاة الحافظ أبي نعيم الأصبهاني صاحب كتاب حلية الأولياء الذي طُبع في تسعة مجلدات، وكتاب معجم الصحابة، وكتاب في الطب النبوي.
- 30/محرم/686هـ: وفاة الإمام القسطلاني شيخ دار الحديث، صاحب كتاب إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.
إن لربنا في دهرنا نفحات، تأتينا نفحة بعد نفحة، تُذَكِّرنا كلما نسينا، وَتُنَبهنا كلما غفلنا، فهي مواسم للخيرات والطاعات، فعلى المسلم أن يصوم يوم عاشوراء، وأن يتقرب فيه إلى الله سبحانه وتعالى بما يوفقه عزَّ وجل من شتى الطاعات والعبادات، من قراءةٍ للقرآن الكريم، وذكرٍ لله سبحانه وتعالى، وتوبةٍ صادقة ، وإقبالٍ على الله سبحانه وتعالى، فلعله أن يكون فاتحة خيرٍ في أول شهرٍ في هذا العام المبارك، نفتتحه بطاعة الله كما اختتمنا العام الماضي بطاعة الله تبارك وتعالى.
هذا فضل شهر الله الْمُحَرَّم الذي يغفل الكثير من المسلمين -وللأسف- عن فضله وعن مكانته، لذلك يجب علينا أن نغتنم هذه الأيام المباركة في الإكثار من الطاعات واجتناب المنهيات والمحرمات.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الهوامش :
1- سورة الأعراف الآية (43)
2 – سورة الحجر الآية (49-50)
3- سورة الأحزاب الآية (45)
4- أخرجه الشيخان
5- أخرجه مسلم
6- أخرجه مسلم
7- أخرجه البخاري
8- أخرجه مسلم
9- سورة آل عمران الآية (68)
10- زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم 1/349
11- أخرجه مسلم