الحدث

التعايـــش الــديـنـــي والتـعـــاون الإنـســـانـــي فــي ظــــلّ جـــائــحـــة كـــورونـــا

عالمنا اليوم في أشدّ الحاجة إلى قيم التسامح الفعّال والتعايش الإيجابي والتعاون الأخوي مع احترام الخصوصيات…

 

د. موسى عبد اللاوي * /

وممّا لا شك فيه أنَّ عالمنا اليوم في ظلّ جائحة كورونا في أشد الحاجة إلى التسامح الفعال والتعايش الإيجابي والتعاون الأخوي بين جميع فئات البشر -على اختلاف أديانهم وأجناسهم – أكثر من أي وقت مضى، نظراً لأنّ التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوماً بعد يوم بسبب ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب، حتى أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية صغيرة ممّا يحتِّم على الجميع التفاعل والتعاون من أجل حياة سعيدة آمنة، ومستقبل واعد أفضل وأجمل.
وهذا كلّه لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع إلاَّ بترسيخ مفاهيم التسامح، وتطبيق مبادئ التعايش بين فئات البشر على تنوعهم واختلافهم، والتعاون بينهم جميعا لخدمة الإنسانيَّة والنهوض بها إلى مراقي التقدم، والعمل على إرساء الأمن والأمان على وجه هذه المعمورة،وإفشاء السَّلام العادل والشامل في مختلف الميادين والمجالات،فالبشريـة اليوم -وقد أنهكتها الأوبئة والحروب والصراعات – فهي بأمسِّ الحاجة إلى تسامح فعّال،وتعاون وتعايش واقعيٍّ لكي تتخلّص من مشاكلها وأزماتها التي تعصف بها بسبب طغيان الظلم والكراهية والعنصرية بين فئات البشر وانتشار الأوبئة.
وفي الحقيقة فإنَّ هذا التسامح المنشود،والتعايش المأمول لا يناقض تعاليم الإسلام الحنيف كما يظنُّ بعض من لم يفهم الإسلام على حقيقته السمحة المعتدلة، بل هو ممّا يدعو إليه الإسلام الحنيف، ويؤكّد عليه في نصوص متكاثرة، ولذا فإنَّ التسامح والتعايش بين فئات البشر وفق المنظور الإسلامي: قاعدة راسخة، وفضيلة أخلاقية، وضرورة بشرية، وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها إدارة صحيحة هادفة، والإسلام -كما هو مُقرَّر – برسالته وتعاليمه ومبادئه إلى البشرية كلها، تلك الرسالة الجليلة والتعاليم السمحة التي تأمر بالعدل والسماحة، وتنهى عن الظلم والعنف وتُرسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعاً في جوٍّ من الإخاء الإنسانيّ والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم، وأوطانهم. فالجميع ينحدرون من (نفس واحدة)، كما جاء في القرآن الكري في سورة النساء الآية رقم:1: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ …﴾.
الإسلام الحنيف يعترف بوجود الآخر المخالف فرداً كان أو جماعة، ويعترف بخصوصيّة ما لهذا الآخر من وجهة نظر ذاتية في الاعتقاد والتصور والممارسة مهمّا تخالف ما يدعو إليه الإسلام الحنيف شكلاً ومضموناً، ويكفينا -في هذا المقام – أن نعلم بأنَّ القرآن الكريم قد سمّى الاعتقادات المخالفة والمناقضة له ديناً على الرغم من وضوح بطلانها، وصراحة مناقضتها لتعاليمه جملة وتفصيلا، وعلى الرغم من ذلك سمّاها(دينا) لا لشيء إلاّ لأنَّ معتنقيها يعتبرونها دينا يدنون بها ويؤمنون بها، هذا من جهة،.ومن جهة أخرى إن مختلف الديانات السماوية والأيدلوجيات الوضعية تؤكد على الاشتراك في قيم الحوار والتعاون والتسامح والتعايش، لعدة أسباب منها، أن كل النظريات التي تناولت أصل الإنسان، أكد الزمان أن أصل خلقه واحد.
لهذا نجد أنّ الإسلام يعترف بجميع الديانات السماوية ويحترمها ويقوم على التعايش السلمي والإيمان بالقيم المشتركة الثابتة، والتعاون والتفاهم المتبادل بين الحضارات.لبناء مجتمع إنساني متعاون متفاعل ومتكامل. فكلّ الديانات السماوية تؤكد أن خالق الإنسان واحد وحتى المذاهب الوضعية تحمل في طياتها الانتماء لقوة خفية تؤكد رغبة الإنسان في وجود خالق.
فالدارس للكتب السماوية إسلامية منها ويهودية ومسيحية وحتى الأيدلوجيات الوضعية من براهمية ومزدكية وبوذية تؤكد بأن القيم الأخلاقية السامية تشترك فيها جميعا، مثل قيمة الجمال، والتعاون، والصدق، وقيمة نبذ الكذب، والعمل, وقيمة الاحترام، ولهذا إذا رجعنا إلى ديننا الإسلامي نجده مبني على القيم التي تعرف عندنا بحفظ الكليات الخمس أو السبع وهي: حفظ الدين، وحفظ النّفس، وحفظ العقل والعرض والمال والحرية والبيئة.
قال الإمام الغزالي -رحمه الله – وهو من علماء القرن الخامس الهجري، وصاحب كتاب إحياء علوم الدين والذي قال في شأنه علماء الإسلام: «من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء» : «إنّ مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة».
* باحث في الدراسات الإسلامية

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com