القضية الفلسطينية

فـــلـســطـــيــــن ســتـــحـــــرِّرُ الــشـــــــام

أ. محمد الحسن أكيلال /

الغرب تزَّكم فتأزَّم
سبحان الله، من يصدق أن الغرب الذي بدل في بناء قوته منذ القرن الخامس عشر بعد اكتشاف القارة الجديدة وإبادة شعوبها لاحتلالها إلى القران الواحد والعشرين وأصبح هذا الغرب الإمبريالي المكون من ذوي البشرة البيضاء والشعور الصفراء والعيون الزرقاء أقوى الأجناس البشرية بما نهبه من ثروات واكتنزه من أموال وأنجزه من صناعات مختلفة وحققه من تقدم في شتى العلوم والمعارف بما في ذلك الطب الذي وصل فيه إلى استنساخ نعجة. هذا الغرب فجأة يتأزم نتيجة زكام «الكورونا»، الفيروس المتجدد الذي أعجز كل مخابره الإلكترونية و كل علماءه في الطب و الكيمياء على إيقاف هجومه في أعقار دياره في القارتين الأوروبية والأمريكية.
لا شك أنه التحدي الإلهي لهذا الغرب الذي عاث في الأرض فسادًا و حاول ويحاول أن يغير نظام الكون وحتى خلق الله، إنه التحدي الإلهي الذي أراد به أن يعيد البشر إلى صوابهم ويجعلهم يقفون على أرجلهم ليفكروا ولو لمرة ويتذكروا أن ما اكتسبوه ما كان ليكون لولا تمكين الله لهم فيه.
فيروس «كورونا» في رأيي أشبه بطوفان نوح عليه السلام مع فارق أن طوفان نوح من الماء وطوفان «كورونا» من الفيروسات المتناهية الصغر، لا ترى بالعين المجردة بل بمجهر إلكتروني دقيق جدًّا واحد من مليون مرة مقارنة بغيره، وهذا الفيروس سمي متجددا لأنه كما قالوا أنه في كل مرة يتحول ويتجدد فيصبح منيعا ضد كل اللقاحات والمضادات الحيوية والأدوية. أليس هذا تحد إلهي؟
في المقالات السابقة، أشرت إلى بداية الوباء من الصين، ربما لم أعط الفكرة كما تناولتها حقها من التحليل، لأن ما أعرفه عن الصين رغم أنها كانت من أقدم الإمبراطوريات، ولكنها لم تكن بأخلاق وسلوكات وطبائع الإمبراطوريات الأوروبية الغربية من حيث التوحش وانعدام الإنسانية لذلك و لو أن الوباء قد انطلق منها إلاّ أن ما أحدثه في البلدان الغربية كإيطاليا واسبانيا وأمريكا وفرنسا بالنسبة إلي يكاد يكون تقريبا بنفس فظاعة ما ارتكبه هؤلاء الغربيون في أمريكا وإفريقيا وآسيا مع فارق آخر يتمثل في الفترات الزمنية والوسائل المبتكرة لاستعمالها في الإبادات الجماعية وطرق استغلال الشعوب ونهب ثرواتها. من هذا المنطلق، كانت قراءتي للأحداث والأوضاع التي أرجعتها أنا إلى إرادة الله التي تدخلت لتعيد المياه إلى مجاريها فوق الكوكب كما فعلت في عهد سيدنا نوح عليه السلام.
النخبة الأمريكية تفقد توازنها
الحزب الجمهوري ومن خلاله المحافظون الجدد والدولة العميقة بتحريض ودفع قوي من الإنجيليين والصهاينة جيء بالتهور الأرعن رجل الأعمال والمال «دونالد ترمب» إلى سدة الحكم ووقفوا خلفه مساندين مدعمين حامين لظهره ضد كل المنتقدين لسياسته التي هي في الحقيقة سياستهم هم رغم الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها وتسبب في إضعاف المصالح الحيوية الأمريكية في العالم، فكل هؤلاء و على رأسهم «ترمب» لأنهم يحسون ببداية النهاية لنظامهم الجائر من خلال كل المؤشرات الاقتصادية التي بدأت تتتالى بالسلبية منذ عام 2008 خاصة وأن كل الحروب التي دخلوها في منطقة الشرق الأوسط و الأدنى انهزموا فيها شر هزيمة عسكريا وسياسيا وبتكاليف مالية باهظة.
هذا الإحساس يزيد من انفعال هؤلاء حين يرون ويسمعون يوميا تنامي قدرات العدو اللدود لهم الصين الشعبية، الدولة الشيوعية التي كانت تطارد جيوشهم في كل الهند الصينية سنوات الخمسينيات و الستينيات إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي حيث طردوا من فيتنام شر طرد يجرون أذيال الخيبة والهزيمة العسكرية بعد فقدهم لأرواح الكثير من جنودهم، آخرين بجراح تجعل منهم فئة من المعاقين حركيا أو عقليا يكلفون الخزينة الأمريكية ميزانية ضخمة سنويا. هذه الصين ستكون القوة الاقتصادية الأولى بدل أمريكا إن لم تكن أصبحت فعلا في السنوات الأخيرة، بل وبدأت تبزهم في الصناعات الإلكترونية والروبوتية والصواريخ الذكية العابرة للقارات والصناعات الفضائية، يعني أن نهاية الإمبراطورية الأمريكية قد أصبحت وشكية ما يجعل الرجل الأول الذي اختير رئيسًا للبلاد يفقد صوابه فيدلي بتصريح، ثم يدلي بآخر بعد يومين مناقض له، يتخذ قرارًا ثم يلغيه بعد يومين آخرين، وأكبر من كل هذا حين يقرر معاقبة الدول التي تريد أن تلتزم بالاتفاقية النووية مع إيران اقتصاديا بعد أن تنصل باسم بلاده من هذه الاتفاقية من جانب واحد، طبعا لا ننسى
أن كل هذه التصرفات والممارسات لم يكن ليقوم بها لو لم يجد من يهمس له من وراءه بالتحفيز و التشجيع والتحريض وعدم الاهتمام بانتقادات المنافسين السياسيين في الداخل والمنتقدين من الحلفاء في الخارج، وبلغ الاستهتار بالرجل أن يغري بالرشوة رئيس دولة أوكرانيا إذا لفق تهمة لمنافسه السياسي الديمقراطي «جون بايدن» لإضعافه والانتصار عليه.
«كورونا» تنزع ورقة التوت عن عورة أمريكا
كأن الأقدار أرادت أن تعمي أبصار وبصائر هذه النخبة حين جعلت هجوم الفيروس ينطلق من مدينة صينية كبرى يبلغ عدد سكانها ستة وخمسين مليون نسمة، فاتخذوا من هذا الحدث حجة لهجوم جديد ضد الدولة الصينية عساهم بذلك يجندون حلفاءهم من الأنظمة الرأسمالية الغربية كآخر سلاح للدفاع عن النفس وإنقاذ النظام الرأسمالي المتهاوي في كل قلاعه وحصونه في العالم الغربي، قبل أن تقوم بهذه الحملة الدعائية ضد الصين كأن الرئيس في بداية الأمر يستهين بالوباء ويتفاخر بإمكانيات بلاده العلاجية وأطباءها الأكثر خبرة في العالم إلى أن بدأت أكبر الولايات الأمريكية «نيويورك» تضيق ذرعًا بالمصابين وقلة وسائل الوقاية والعلاج و ضعف الميزانية المالية المخصصة، وازداد عدد الولايات كما ازداد عدد المصابين والمتوفين لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية البؤرة الأكبر في العالم للمرض قبل الصين التي انطلق منها، فكان لا بد من البحث على كبش فداء ليلفت إليه الأنظار بعد ازدياد حدة الانتقادات من منافسيه في الانتخابات القادمة فوجد في منظمة الصحة العالمية ومديرها ضالته، ولكنه لم يوفق هذه المرة في استماع العالم لصوته المبحوح وخاصة بعد اتخاذه لقرار التوقف عن دفع مستحقات بلاده لهذه المنظمة الإنسانية التي أجابته بذكاء حاد حين عقدت مؤتمرًا للأمم المتحدة لاتخاذ قرار يقضي باتحاد و تعاون كل العالم لمحاربة الوباء فلم يجد بدا من الانصياع والخضوع لمشيئة أغلبية دول العالم ولكن بعد أن فقدت بلاده ورقة التوت التي تخفي عورتها داخليا بالاهتمام بالجانب الاقتصادي قبل الاهتمام بالإنسان المواطن الأمريكي.
كل هذه اللخبطة الإعلامية السياسية التي قام بها الرئيس «ترمب» الذي تباهي من كونه أول رئيس أمريكي يعطي اسرائيل ما لم يعطه لها أحد قبله بإعلانه عن صفقة القرن التي نجح فعلا في جعلها صفقة مالية بابتزاز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمبالغ مالية خيالية في شكل استثمارات و صفقات اقتصادية واستثمارات في بلاده كما أنه نال حقه الخاص منها كالعادة ولكنه لم يمرر الصفقة على الشعب الفلسطيني و الشعوب العربية و كل دول العالم باستثناء ثلاثة أو أربعة دول وقعت هي الأخرى ضحية ابتزاز استخباراتي ومالي. وما عداها فالقانون الدولي والعالم وعلى رأسه الأمم المتحدة لا يعترفون بقرار ضم القدس والضفة الغربية والجولان فأكثر من كل هذا ازدياد أعداء الولايات المتحدة في العالم وعزلتها الدولية قبل الإعلان عن الإفلاس في المستقبل القريب بعد الانتهاء من وباء «الكورونا» لتجد الولايات المتحدة الأمريكية أمام الجمهورية الإسلامية الأقوى سلاحا وتكنولوجية واقتصادًا رغم العقوبات الجائرة التي مورست ضدها لأكثر من أربعين سنة. يجد إيران وهي محاطة بقوى الحركات المسلحة للمقاومة في كل منطقة الشرق الأوسط ابتداء من قطاع غزة جنوبا مرورًا بجنوب لبنان شمالا إلى سوريا والعراق شرقا إلى أفغانستان وكثير من الشباب في الدول الإسلامية الأخرى يعلنون النقير لطرد أمريكا من المنطقة و إزالة الاحتلال الإسرائيلي من الوجود ولن تجد الولايات المتحدة حينئذ إلاّ الاعتراف مجبرة بقرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن المتعلقة بالقضية الفلسطينية وشعبها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com