قضايا و آراء

علينا أن نستعد لعالم ما بعد الــ: «كورونـــــا» بكل قوانـــا

أ. محمد العلمي السائحي /

إنّ وباء كورونا الذي اجتاح العالم قد أربك دولا كثيرة وعراها تماما، وكشف للجميع أن العظمة التي كانت تدعيها أقرب ما تكون إلى فقاعة إعلامية، وإن الفضل فيها يرجع إلى صناعتها السينمائية أكثر من أي شيء آخر.
وليس ذلك فقط فكرونا هذا فضح هشاشة الهياكل والنظم التي كانت توظف لابتزاز الآخرين والهيمنة عليهم، أكثر من كونها أدوات حضارية لخدمة الإنسان والحضارة في هذا الجزء أو ذاك من العالم، فهذا الاتحاد الأوروبي تخلى عن التزاماته تجاه دول أعضاء فيه ولم يقدم لها العون اللازم لمواجهة هذا الفيروس الذي اجتاحها.
بل إنّ هذا الفيروس قد كان له الفضل في فضح التعامل بمكيالين والنظرة الازدواجية للإنسان، فها هو طبيب فرنسي يكشف أن فرنسا تتجه لإجراء تجارب سريرية على الأفارقة تتعلق بفيروس كرونا بدل إجرائها في فرنسا، فالإنسان عند فرنسا هو الإنسان الأوروبي، أما الأفارقة والآسيويون فهم فئران تجارب.
وهذا الفيروس الدقيق على دقته أصاب أخلاق الدول في مقتل، فهاهي دول كبرى لا تتورع عن السطو على مخصصات دول أخرى، ولا تنظر بتاتا إلى حاجة تلك الدول الفعلية لتلك المخصصات، لمجابهة أخطار هذا الفيروس على شعبها.
ثمّ إن هذا الفيروس جعل الشعوب كافة تعيش هاجس الحرب البيولوجية، حيث أنّ الكثير من التحاليل والتصريحات، تشير إلى أن هذا الفيروس ليس طبيعيا، وهو أقرب إلى أن يكون مصنعا من إنتاج الإنسان، وأن الدافع لإنتاجه هو استخدامه كسلاح لفرض الهيمنة السياسية والاقتصادية لهذا الطرف على ذاك، وذلك أمر وارد خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار التوتر المتصاعد بين أمريكا والصين.
كما أن هذا الوباء عصف باقتصاديات الكثير من البلدان، وذلك سيكون له ارتدادات على الأصعدة السياسية والأمنية والاجتماعية، وحتما سيكون ما بعد كورونا مختلفا تماما لما كان عليه من قبل.
وهذا ما جعل بعض المحللين السياسيين يتوقعون إن لم نقل يرجحون أن يفضي التوتر المتصاعد بين كل من أمريكا وروسيا والصين وإيران، إلى صدام مسلح مباشرة بعد انحسار وباء كورونا، وذلك لكون أمريكا تعرف بطالة متنامية، بالإضافة إلى تراجع شعبية ترومب قبالة منافسه جون بايدون، كما أن الصين اكتسحت الساحة الدولية وفرضت هيبتها بفعل حسن إدارتها لأزمة كورونا ومبادرتها إلى تقديم يد المساعدة والعون لكثير من الدول ودعمها لها لمواجهة هذه الجائحة الخطيرة، بالإضافة إلى تطويرها لعملة إلكترونية منافسة للدولار مما يضطر ترومب إلى القيام بمغامرة عسكرية وذلك لامتصاص أزمة البطالة وتصحيح وضعيته قبالة خصمه الديموقراطي، ولإظهار أمريكا بمظهر القوة العظمى القادرة على الردع.
ولعلّ ممّا يؤكد احتمالية هذا السيناريو هو تلك المناوشات التي حدثت في البحر بين أمريكا وروسيا وتهديد الأخيرة لها بأنها ستلجأ إلى الردع النووي إذا تحرشت بها مرة أخرى، أو ذلك التحرش الذي وقع بين البوارج الأمريكية والسفن الإيرانية في الخليج العربي مؤخرا.
وكيفما كان الأمر فإن الدول العربية خاصة والإسلامية عامة، مدعوة للاستعداد لمثل هذه الاحتمالات، لأن ذلك الصدام المحتمل ستكون له ارتداداته على المنطقة ككل، وقد عودتنا أمريكا على أنها تقحم غيرها في الحروب، ولنا في حرب العراق شاهد على ذلك، حيث حشدت الدول الأوروبية وأجبرتها على خوض الحرب معها، بل أنها أجبرت الدول العربية على تغيير مناهجها التعليمية، وأخضعت معاملاتها المالية إلى رقابة صارمة، بدعوى الحاجة إلى تجفيف منابع الإرهاب.
نعم ستكون المنطقة في حاجة ماسة فعلاً إلى إعادة ترتيب أولوياتها، والنظر في تحالفاتها، وطريقة إدارة مصالحها الاقتصادية، وعلينا العودة إلى الاهتمام بالزراعة والصناعة، والتركيز على التعليم النوعي لا الكمي والنهوض بأساليب البحث وتنويع مؤسساته لتماشي مطالب التنمية في جميع المجالات وعلى شتى المستويات، وذلك حتى نتلافى ما قد ينجم عن الصراعات العسكرية من عرقلة لعمليات الاستيراد بسبب قطع الطرق البحرية وقصف الطرق البرية وعرقلة النقل الجوي، بالإضافة إلى أن كلفة النقل ترتفع في زمن الحروب، مما يضاعف من أسعار السلع المستوردة.
إذن نحن في حاجة فعلا لإعادة النظر في مواردنا الاقتصادية وتجديدها وتنويعها والتحول من مجرد مجتمعات استهلاكية إلى مجتمعات منتجة وأن نسعى لجعل إنتاجنا يستجيب لاحتياجاتنا في جميع المجالات والميادين، وبذلك نتحرر من اقتصاديات الريع التي فرضت علينا التبعية للغير والبقاء في خدمة السيد الأوروبي حتى بعد تحررنا من نير الاحتلال الأجنبي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com