المظلومة التربوية ….وواجباتنا العلمية والدينية/ حسن خليفة
صار واضحا وضوح الشمس لدى كل مهتمّ ومتتبّع أن هذه النخبة التي تسيّر وزارة التربية ومن وراءها، إنما تريد سلخ الأجيال من هُويتها وقيّمها وإبعادها ، بكل سبيل ، عن المخزون الديني واللغوي والفكري ،الذي تربت عليه أجيال أجدادها وآبائها، وما من شك في أن فهمها للأمور(أعني النخب المسيرة والمسيطرة).. جعلها تقتنع أن المدرسة هي البيئة التي فرّخت للإرهاب والتطرف ـ كما صاريُسمّى ـ وبالتالي فإن السعي (بكل طريق) لتجفيف المنابع في هذا الخصوص ـ بالنسبة إليها ـ واجب أكيد .والعمل على اجتثاث تلك الجذرو من المسؤوليات ذات الأولوية القصوى لديها ؛ خاصة في مثل الظروف التي نعيشها اليوم والمتسمة بالاضطراب والفوضى مما يساعد على “تمرير” أي شيء تحسّبا للمستقبل .
إن ما ينبغي التنبيه عليه في هذه المسألة خاصة هو ما يتصل بواجباتنا ، دينيا وخُلقيا وعمليا وعلميا .أتصور أنه من أوكد الواجبات :
أـ الحرص على متابعة هذا الملف (وغيره)متابعة رصد وتحليل وتمحيص ومعرفة السياقات والمآلات المتعلقة به.
ب ـ العمل على تفتيت وتفكيك الادعاءات التي تُساق لتبرير هذا العدوان على مباديء المجتمع وقيّمه بالكتابة والنشر والطرح والمدارسة .
ج ـ التعاون والتنسيق بين كل الهيئات والجمعيات والمنظمات ذات الصلة بالمبادئ والقيّم ، وما أكثرها ، وتعزيز فعل التعاون وصولا إلى صدّ الهجمات العدوانية على كل ما له علاقة بالدين والوطن والتاريخ والمبادئ.
د ـ فضح الكيانات التي تختفي وراء هذه الهجمات أفرادا وهيئات؛ ببيان برامجها وأهدافها وما ترمي إليه، وليست في النهاية سوى “وكيل” للمستعمر السابق ومستعمرين محتملين لاحقين .
هـ الاهتمام بالتوثيق والأرشفة والبحث الجاد لمعرفة “مصادر” التهم المزروعة والادعاءات المبثوثة ومنابعها ومنابتها ، فلا يمكن فهم ما يجري إن لم نطلع بشكل منهجي على كل الجهود التي تدخل هذه الادعاءات في سياقها (العصرنة، العولمة، التطوير، الإصلاح..)بدءا بما تطرحه المنظمات “الدولية” كـ “اليونسكو” وغيرها، وانتهاء بما تبثّه غربان الشؤم هنا وهناك من خلال كتابات شائهة وتصريحات مستفزة وتمريرات وتسريبات …
وـ من الواجب الأكيد أن يتحمل التربويون ـ كل في موقعه وبيئته ـ المسؤولية الكبرى لبيان خواء وسقط ما يُطرح من إصلاحات ، وأنها لا تستجيب لأي مقاييس علمية ، ولا تحقق المبتغى المدّعى وهو “تطوير “المنظومة ، بل على العكس من ذلك، تحقق الإخفاق وتفاقم العجز والتردي والرداءة كما نراها في الواقع الأليم البائس للمنظومة ـ بل للمظلومة ـ التربوية ..وقد لحقها الضعف والهوان والانكسار منذ أكثر من عشريتين والانهيار مستمر.
إننا نريد أن نقول بصريح الكلام ..إن التربية كما يريدها المجتمع الجزائري، وكما يتطلع لتحقيق الاستجابات الكبرى بشأنها ،من الأجيال الحالية والقادمة ، هي تلك التربية التي كتب وسجل عنها الشيخ الإبراهيمي ، في كلمات معدودات ، ما يمثل أهدافا تقر بها الأعين وتفرح بها القلوب وتبتهج بها العقول ..وقد قال رحمه الله قبل عقود من الزمن متحدثا عن غايات التربية ..
“غاية الغايات من التربية– هي توحيدُ النشء الجديد في أفكاره ومشاربه، وضبط نوازعه المضطربة، وتصحيح نظراته إلى الحياة، ونقلُهُ من ذلك المُضْطَرَبْ الفكري الضيّق الذي وضعه فيه مجتمعه- إلى مضطرب أوسَعَ منه دائرةً، وأرْحَبَ أُفُقًا، وأصحَّ أساَسًا، فإذا تمّ ذلك وانتهى إلى مدَاهُ طَمِعْنَا أن تُخْرِجَ لنا المدرسة جيلاً متلاَئِمَ الأذواق، متَّحِدَ المشارب، مضبوطَ النزعاَت، يَنْظُرُ إلى الحياة- كما هي- نظرةً واحدةً، ويَسْعَى في طلبها بإرادة متحدة، ويعملُ لمصلحة الدين والوطن بقوة واحدة، في اتجاهٍ واحدٍ”.
– “غاية التعليم هي تفقيهه في دينه ولغته، وتعريفه بنفسه لمعرفة تاريخه، تلك الأصول التي جَهِلَهَا آبَاؤُهُ فشَقُوا بجهلها، وأصبحوا غُربَاءَ في العالم، مقطوعين عنه، لم يعرفوا أنفسهم فلم يعرفهم أحدٌ..”
ذلك هو مراد التربية التي يريدها المجتمع الجزائري في النسبة الغالبة العالية منه، وهو ما أراده الشهداء والمجاهدون وأبناء وبنات الجزائر على مدار عقود، وهم يجاهدون المستدمر الذي أحرق الأرض والعرض وأهلك الحرث والنسل …وأباد القرى والمداشر، كما أباد القيّم الإنسانية والدينية ، وعمل على محو الدين ومنع العربية وتجهيل الشعب والإضرار به قدر المستطاع، ولكن الله خيّبه كما سيخيّبه كرة أخرى.