مجازر القرن العشرين/ منصف بوزفور
إننا لنفكّر في المجازر التي قادوا إليها كل العالم في القرن العشرين بمثل ما نفكر في المجازر التي يقودون إليها الناس في المستقبل.
وهؤلاء القادة الطغاة في أمريكا وفي أوروبا وفي آسيا وفي أطراف من قارتنا القديمة على شاكلة “هتلر” و”موسوليني” لا همّ لهم إلا التخطيط لقيادة العالم إلى الحروب الطاحنة.
أذكر هذا وأبدأ به، وأنا أراقب أحداث الشرق الأوسط وفي أطراف من آسيا وإفريقيا أين يعدّ الناس كل يوم لموت جديد.
وهاهو ذا الكيان السرطاني الذي أطلق على نفسه إسرائيل يحتل فلسطين أرض الأنبياء، ويعيث فسادا في كل دول الجوار.
وينشط في توزيع سلامه ببنادق الحرب وبالكذب والنفاق الذي اشتهر به اليهود، في حين أن الولايات المتحدة الأمريكية هي البلد المساند والداعم لكل الآمال التي يحيا بها اليهود والواقية لإسرائيل من ضربات الأعداء.
ويحضر هنا تعداد “تزفيتان تودوروف” لعدد الذين سقطوا من الضحايا في خلال الحربين العالميتين فيقول: “حصيلة ضحايا الحرب العالمية الأولى ثمانية ملايين وخمس مائة ألف جثة على الحدود، وما يقارب عشرة ملايين مدني، وستة ملايين معاق. وفي الوقت نفسه حرب إبادة ضد الأرمن، ومليون وخمس مائة ألف إنسان نفّذ فيهم حكم الإعدام على يد السلطات التركية. وفي روسيا السوفياتية التي رأت النور عام 1917م، أسفرت الحرب الأهلية والمجاعة في عام 1922م عن هلاك خمس ملايين إنسان، بالإضافة إلى أربعة ملايين راحوا ضحية أعمال القمع. وأخيرا قضى ستة ملايين إنسان في مجاعة 1932م ـ 1933م”.
حصيلة الحرب العالمية الثانية أكثر من خمسة وثلاثين مليونا لقوا حتفهم في أوروبا وحدها.منهم خمس وعشرون مليونا على الأقل في الإتحاد السوفياتي، إلى جانب ذلك، وخلال هذه الحرب، شُنّت حرب إبادة جماعية ضد اليهود والغجر والمعاقين عقليا، فكم كان عدد الضحايا؟
أكثر من ستة ملايين، وأما في ألمانيا واليابان، فقد تعرّض المدنيون لقصف بالقنابل من قبل الحلفاء، وكانت النتيجة مئات الألوف من القتلى، بالإضافة إلى الحروب الدموية التي قادتها الدول الأوروبية العظمى داخل مستعمراتها، مثل التي أشعلتها فرنسا في كل من مدغشقر، والهند الصينية والجزائر.
وفي كتابه “الأمل والذاكرة” كان “تزفيتان تودوروف” متفائلا ومحتفيا بالغد، إلا أننا نرى غير الذي يراه، فلطالما أن قادة العالم قد أخذوا دروسا من رعاة البقر، بل إنهم يعتقدون أن البشر في العالم لا يختلفون عن البقر.
فماذا تقدم الولايات المتحدة الأمريكية للسلام في العالم وهي لا تستحي من استعمارها للعراق ومن حربها لأفغانستان، ومن تهديدها الدائم والمستمر لمناطق آمنة من العالم.
وهاهي اليوم قد أعلنت حربا باردة على إيران على أساس أنها تعمل على صناعة القنبلة النووية مما يهدد كل العالم، وذلك بهدف توجيهها لخدمتها في المنطقة وخدمة استراتيجياتها.
وهاهي ذي تقود حربا جديدة ضد من تنعته بالإرهاب الإسلامي.
ونذكر ما ذكر الدكتور “سعد اللاوندي” في كتابه “أمريكا في مواجهة العالم”بأنه منذ انهيار حائط برلين في 9 نوفمبر 1989م [صرنا نتنفّس مناخا غير مسبوق هو المناخ أحادي القطبية الذي تسيطر فيه الولايات المتحدة على العالم، ومن ثمّ يتعيّن على قادة واشنطن المحافظة على بقاء هذا الحال إلى أطول فترة ممكنة].
ولقد أدرك “اللاوندي” أن المناطق المرشحة للاشتعال في السنوات المقبلة هي المناطق الغنية بالبترول.
وهكذا، من يرغب في إدارة العالم لا بد أن يتحكم في منابع البترول. ولقد أدركت أمريكا هذا ومن دون أن يغيب هذا الأمر على الدول الغربية التي انساقت مقدما مع سياسة الولايات المتحدة في غرس قواعدها العسكرية في الأماكن الحيوية والإستراتيجية في العالم.
لقد بدا للاوندي أن أمريكا تعيش حربا باردة جديدة طرفاها الولايات المتحدة من جانب والعالم كله من جانب آخر، بما في ذلك الحلفاء والأصدقاء في أوروبا وآسيا.
وبرز حلف الناتو في ثوب جديد لكي يؤدي دور شرطي العالم.