{وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}/ محمد الصالح الصديق
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد، متى قيام الساعة؟ وقد أجدبت بلادنا فمتى فخضب؟ وقد تركت امرأتي حبلى فما تلد؟ وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب إذا؟ وقلت علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت؟
فنزل قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[لقمان:34].
شغلت الرجل هذه القضايا الهامة، وحيرت قلبه، وجعلته يهفو – في ظمإ إلى من يفتح مغالقها، ويحل ألغازها- إلى الرسول الذي يلتقى الوحي، ومن يدري مثل هذه القضايا سواه؟
ولكن أني للمخلوق أيا كان أن يعرف ما في الغيب… مما استأثر الله بعلمه، وجعل بينه وبيني البشر حجابا، لا أحد يستطيع أن يخترقه ويتطاول عليه؟
لقد مضى على هذا السؤال أربعة عشر قرنا، والإنسان لم يفتأ يتعلم ويخترق آفاق المعرفة، ويرتاد أجواء العلم، ويتقدم في ميادين الصناعة، ومجالي الاختراع والاكتشاف حتى صنع ويرتاد أجواء العلم، ويتقدم في ميادين الصناعة، ومجالي الاختراع والاكتشاف، حتى صنع المعجزات؛ ولكن هل استطاع أن يتسقط خبرا من أخبار الغيب المجهول الذي استأثر الله بعلمه، فيعلم نهاية هذا الوجود، ومتى قيام الساعة؟ أو يعلم ذلك متى ينزل الغيث؟ أي في وقت محدد وفي بلد معين، وبمقدار ما تقتضيه الحكمة، ويعلم ذلك قبل أن تتهيأ أسباب المطر، أو يعلم ما في الرحم من ذكر أو أنثى ناقص أو كامل، ما تغيض الأرحام، وما تزداد بالرغم من الجهود العلمية والتجارب المتوالية في هذا الميدان؟1 أو يعلم أين يموت أفي بلده؟ أم في بلد آخر؟ في البحر؟ أم في البر؟ أم في السماء؟
وبهذا الإعلام، الذي يظل في فم الزمان يتردد ويتجدد: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }[لقمان:34]؛ ولقد امتازت حقيقة الرسالة عن الألوهية والربوبية… وانفصلت عنها، وتهدمت قواعد الشرك وبمبدأ الوثنية من أساسها، وتم لعقيدة التوحيد الإسلامية جميع خصائص التجريد المطلق من أنواع الشعوذة وصور التدجيل.. والإفك والبهتان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن الكشف عن الجنين ويعلم إن كان ذكر أو أنثى، وإنما الذي لا سبيل إلى إدراكه، هو ما يكون عليه الجنين في المستقبل من كونه عالما أو جاهلا، غنيا أو فقيرا، سعيدا أو شقيا..إلخ، وهو ما يفهم من التعبير “بما في قوله تعالى:{اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ}[الرعد:8]، وقوله:{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} فلو أراد الله تعالى “الذكر” أو “الأنثى” لقال: “الله يعلم من تجد”.