قضايا و آراء

نهاية العولمة… من مجتمع المخاطر إلى وباء كورونا

أ. عبد القادر قلاتي /

عند ما أصدر عالم الاجتماع الألماني اولريش بيك كتابه: «مجتمع المخاطرة» عام 1986 واتبعه -بعد سنوات – بكتاب آخر عنونه بـ»مجتمع المخاطر العالمي: بحثا عن الأمان المفقود» كان ينظر إلى واقع يخضع لتحولات جذرية خطيرة في البنية الفكرية والسلوكية للمجتمع الغربي والعالمي جراء فرض النموذج الامبريالي المعرفي الغربي الذي ترجع جذوره إلى تلك المغامرة الاستدمارية، التي أفرزت ما سمي بـ»العقلانية العلمية كوسيلة شرعية وحيدة لفهم الطبيعة والسيطرة عليها».
واليوم ونحن نشاهد ملامح الفشل في إدارة هذه الأزمة التي أربكت العقل العلمي الغربي، وأظهرت الكثير من القصور في محدودية عطائه، وزوال روح الاستكبار أمام وباء خفي ربما تكون تلك الروح الاستكبارية المتعالية سبباً في انتشاره، كجزء من مجتمع المخاطر الذي نبه إليه اولريش بيك، نتيجة فرض العولمة كنهاية لسياسة التحكم في المجتمعات الإنسانية، انطلاقاً من طبيعة العقلانية العلمية التي اختارها الغرب أسلوباً نهائياً في فهم الإنسان والكون والطبيعة، ولسنا -هنا – نجزم أنّ هذا الوباء -بما حمله من تبعات فكرية ونفسية واجتماعية خطيرة – مصدره الصناعة الغربية في مجالات الصحة والبيولوجيا كما يروج البعض، لكننا نجزم ببساطة تامة، أنه نتيجة منطقية لمجتمع المخاطرة الذي ظلّ الغرب يدفع نحوه انطلاقاً من فكرة الرفض المطلق للاعتبارات القيمية، فكلّ موضوع هو مادة جامدة يمكن تشريحها واستغلالها واستعمالها، كلّ ذلك -مع تعسف مفرط – باسم العلم والعقلانية العلمية.
صحيح أنّ المخاطر صاحبت الإنسان منذ وجوده، إلاّ أنّها مخاطر ناتجة عن طبيعة الكون، وظلّ الإنسان دائما يبحث عن الحلول لهذه المخاطر، ومع بروز الرأسمالية المعاصرة والتحول الحضاري من الشرق نحو الغرب، تحوّل المفهوم إلى مجال للمغامرة والتغيير، حيث بدأ العقل الغربي يبحث عن المخاطرة كتحفيز للبحث عن حقائق الكون والمعرفة المطلقة بعيداً عن نظام التقليد (ما قبل الحداثة)، ومن هنا سقطت المفاهيم الدينية من معايير الابستمولوجيا الغربية، وانتصر مفهوم العلم كما صاغه المؤسسون الأوائل لتلك المغامرة الاستدمارية التي فرضت نفسها في المجتمع الغربي الحديث.
دائما النّهايات تبدأ بأحداث قاسية تحُرّك الكثير من الساكن الذي تعوَّد عليه الإنسان، كما تُفكك الكثير من القناعات الفكرية التي تفرض نفسها في لحظات السكون، والانتصارات الموهومة، وقد يكون هذا الوباء بداية النهّاية لفلسفة عولمة الكون وروح التّحكم المطلق فيه، وقد تكون -أيضا – بداية لبروز ملامح المجتمع العالمي الجديد المتعدد، بخصوصياته الحضارية، والمتجاوز للامبريالية الغربية الاستدمارية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com