هل ستحسم في سوريا ؟/ الأستاذ محمد الحسن أكـــيـــلال

خارطة انتشار “الدواعش” و”النصرة” بدأت في الانحصار السريع في العراق في البداية ثم في سوريا أمام قوات البلدين المسلحة، في العراق بمساعدة القوات الأمريكية، وفي سوريا بمساعدة القوات الروسية.
البحث عن دوافع القوتين يؤجل إلى حين وضع الحرب لأوزارها، لأن الدوافع لا شك مختلفة وإن هي متفقة في جذر واحد هو سعي كليهما لفرض الأمر الواقع في الرقعة الجغرافية التي تريد أن تسيجها لنفسها كمجال حيوي لها يوثق في اتفاقية جديدة على غرار اتفاقية “سايكس بيكو” المنتهية الصلاحية.
في كل الأحوال الإمبراطورية التي كانت منفردة بالتسلط والسيطرة على العالم والعمر الزمني الذي منحه لها الثلاثي “هنري كسنجر وبريزنسكي وروكفلر” في إطار “الثلاثية الثلاثية” (LaTrilatérale) لعمر النظام الرأسمالي الذي بدأ يتقلص بتناقص الموارد الطبيعية والمواد الأولية في الكوكب وتنامي وعي شعوب العالم التي كانت خاضعة للسيطرة الاقتصادية والسياسية لهذه الإمبراطورية بفعل العولمة التي كادت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن تجعل منها دينًا جديدًا يكون فيه الأئمة والقساوسة والحاخامات من عبدة الشيطان.
هذه الإمبراطورية التي وجدت نفسها تجر أذيال هزائم متتالية ابتداء من “فيتنام وأفغانستان والعراق”، وقد أنفقت في حرب العراق وحدها أكثر من ثلاث ترليون دولار، المبلغ اعتبره المحللون الاقتصاديون فيها الشعرة التي قصمت ظهر البعير في أزمتها الاقتصادية و المالية في العقد الماضي، لذلك أصبحت أغلبية الشعب الأمريكي قد فقدت الثقة في نخبتها السياسية وبدأت معارضة جديدة في التشكل ظهرت بوضوح في الانتخابات الرئاسية لــ “جورج بوش الابن” ثم “دونالد ترامب” الذين فازا فقط بفضل المجمع الانتخابي، وليس بأصوات الناخبين من الشعب الأمريكي؛ لهذا السبب تداعي المحافظون الجدد واليمين المتطرف بقيادة اللّوبي الصهيوني لتوظيف الأموال لكل عملية انتخابية رئاسية وتشريعية.
إن الإرهاب كمصطلح وضعه منظروا الاستعمار الغربي، ليلصق لكل مناضل ومكافح من أجل الحرية واستقلال بلاده، هذا في عهد الإمبراطوريات الاستعمارية الكبرى.
وبعد انتقال الجبروت الاستعماري من الإمبراطوريتين الأعظم، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حافظت هذه الأخيرة على كل الثرات المادي والفكري والثقافي بما في ذلك أهم المصطلحات كــ “الإرهاب” باعتباره المصطلح الأكثر نجاعة في العمل الدعائي والإعلامي لتجنيد المجتمعات الغربية أساسا والأخرى من شعوب العالم الثالث التي تريد الاقتراب من الإيديولوجية الأمريكية طمعا في نيل رضاها والاستفادة من مساعداتها المالية والتكنولوجية والمعرفية، على غرار بعض شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية.
والغريب أن عمليات الإبادة الجماعية والقتل والإعدام بدون محاكمة التي قامت بها كل الدول الاستعمارية ضد الشعوب التي كانت خاضعة لها لم يجرأ أحد بإلصاق تهمة الإرهاب بها بما في ذلك تلك الدول التي تتبجح بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان.. نمط التوجيه الإعلامي والدعائي الذي سارت عليه دولة الكيان الصهيوني منذ ما قبل تأسيسها في فلسطين المحتلة، بحيث لم تكترث بريطانيا العظمى – دولة أعرق الديمقراطيات – بعصابات “الهاجانا” و”شتيرن” و”الإرجون” بالجرائم التي اقترفتها في حق الشعب الفلسطيني ثم ترعى تحول هذه العصابات الإرهابية الهمجية إلى جيش نظامي لهذه الدول الهجينة.
لا داعي لإطالة الحديث والتحليل حول علاقة العقيدة الصهيونية بالإرهاب وهي العقيدة التي وظفت لها الأموال والدبلوماسية والاستخبارات لكل الدول الغربية الاستعمارية الرأسمالية لغرسها في أذهان وأفكار النخب في كافة بلدان العالم بما في ذلك الدول العربية التي يفترض أنها كانت تحمل لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية، حتى أصبحنا نسمع في وسائل الإعلام العبرية عن أخبار زيارة سرية لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” إلى إسرائيل، ثم عزف النشيد الوطني الصهيوني في دولة البحرين وإلقاء ملكها لخطاب أمام مجموعة الحاخامات الصهاينة الذين زاروا المنامة في الأسبوع الماضي، وقد تهجم الملك البحريني بشدة على دعاة المقاطعة العربية لإسرائيل، كل هذا لا لشيء إلاّ لأن إسرائيل أصبحت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعادي الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ما زالت متمسكة بخيار محاربة الدولة الصهيونية وحماية المقاومة الفلسطينية واللبنانية؛ طبعا ما كان ولي العهد السعودي ولا ملك البحرين ليقوما بخطوتيهما هاتين لولا اعتناق نسبة مهمة من النخبة في بلديهما وفي كثير من البلدان العربية الأخرى للعقيدة الصهيونية واقتناعها بمصطلح “الإرهاب” الذي ألصق بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية.
على امتداد العقود السبعة الماضية على اعتراف الأمم المتحدة بدولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة بإصدارها لقرارها المجحف في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، قام هذا الكيان بسلسلة من الحروب ضد البلدان العربية المجاورة انتهت بسلسلة من الهزائم كما هو معروف لاختلال التوازن بين القوتين العربية والصهيونية التي تستند بقوة إلى الدعم المادي والمالي الغربي الاستعماري والأمريكي، وفي كل هذه الحروب كانت الآلة الدعائية الغربية لم تتوقف لحظة عن تسمية العرب والفلسطينيين المكافحين بالإرهابيين.
خلال هذه العقود السبعة الماضية كان الصهاينة يقومون بعمليات اغتيال جماعية في البداية في فلسطين بإبادة قرى بكاملها، كدير ياسين وكفر قاسم وغيرها لترويع السكان والدفع بهم إلى الهروب من منازلهم إلى أراضي البلدان المجاورة كلاجئين، ثم تطور العمل الإرهابي الصهيوني باغتيال قيادات سياسية وفكرية فلسطينية بدأت بـــ “غسان كنفاني” ومجموعة أخرى ثم القادة الكبار كـــ “أبو جهاد” و”أبو إياد” و”أبو الهول”، كما لا ينسى اغتيال و التصفية الجسدية لرؤساء دول عربية كالملك “فيصل” و”الهواري بومدين” و”ياسر عرفات” و”صدام حسين” و”معمر القذافي”، ليتواصل الإرهاب الصهيوني الغربي الأمريكي لخدمة أهداف الدولة الصهيونية في فلسطين بمحاولة اغتيال دول وشعوب بكاملها بدعوى مكافحة الإرهاب الذي صنعته وشكلته هي بنفسها منذ بداية الثمانينيات في أفغانستان باسم الجهاد الإسلامي الذي أشرف عليه بصفة رسمية “بريزنسكي” ثم بعد التخلص من المعسكر الشيوعي السوفييتي حولوه إلى وحش يحاربهم هم هذه المرة في سيناريو محبوك بدهاء شديد لإقناع شعوبهم وشعوب العالم بأن الإسلام والمسلمين إرهاب وإرهابيون؛ وبتطور الأهداف والجغرافيا تتطور أيضا الأسماء والأدوات، ويتحول الجهاد إلى قاعدة ومن القاعدة إلى جبهة النصرة وداعش في العراق والشام، ثم حين بدأ الخطر يرتد إليهم شكلوا تحالفا غربيا للتخلص منه، وهنا خانهم ذكاؤهم حين لم يحسبوا للمفاجأة الروسية وتشكيلها هي بدورها لتحالف آخر ولكنه يضم في صفوفه إيران والمقاومة اللبنانية ويسانده من بعيد جمهورية الصين الشعبية ومن وراءها كوريا الشمالية باستفزازاتها المتكررة لأمريكا و حلفاءها في آسيا.
الحرب في العراق وسوريا بدأت تظهر بوادر الحسم فيها لصالح الدولتين اللتين دمرتا أصلا لخدمة أهداف الدولة الصهيونية التي تريد أن تبقى لوحدها في المنطقة الدولة الأقوى، ولذلك سارعت هذه الأيام للقيام بعمليات عسكرية ضد الجيش السوري والتدخل لدى الإدارة الأمريكية لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، وهو في كل هذا يعتمد على تأييد الدول العربية الخليجية التي تعتبر إيران عدوا لها.
إن الأحداث تتسارع وفضيحة دعم الإرهاب من دول عربية وغربية بدأت تنكشف للعيان، والحسم آت للحرب في هذه المنطقة لصالح الدول العربية الممانعة الحاضنة للمقاومة الفلسطينية وآخر الأخبار التي تثلج الصدر حصول اتفاق بين حركتي “حماس” و”فتح” في القاهرة وهذا ما سيعجل الحسم أيضا حول القضية الفلسطينية.