المنظومة التربوية سائرة …وكره من كره!!/ التهامي مجوري
من بين ما لفت انتباهي في “قصة البسملة” خلال الأيام القليلة الماضية، أن بعض الناس لام جمعية العلماء على الدخول في مثل هذه “المعارك الوهمية”، وآخرون عاتبوها على التأخر في اتخاذ الموقف المناسب في حينه؛ لأن معالي الوزيرة أعطت تعليمات شفوية بإلغاء البسملة من الكتب المدرسية، عدا كتب التربية الإسلامية، منذ نهاية السنة الدراسية الماضية، وآخرون استحسنوا الموقف بكل ما يحمل “محتوى وزمانا”، وهؤلاء وأولئك كلهم من الجزائريين الذين يحبون جمعية العلماء ويغارون عليها وعلى مصيرها ويحبون الله ورسوله، أما خصومها من الذين يعرفون حقيقة علاقة “قصة البسملة” بالمشروع الثقافي الحضاري، الذي تريد فرضه معالي وزيرة التربية، فإنهم تحاملوا على الجمعية بقدر ما يشعرون من خطر على مشروعهم بسبب وجود “بسم الله الرحمن الرحيم” في الكتب المدرسية.
ذلك أن البسملة في اعتقادهم وتقديرهم تمثل مشروعا لا يريدونه، لأن مجرد وجود مثل هذه الأدبيات في الكتاب المدرسي، ترسيخ لقيم لا يريدونها.
فالجانب المبدئي الذي ينبغي أن يعلمه الناس، أن البسملة من آداب الإسلام النابعة من صميم عقيدته، فالذي لا يستحضر الله في قوله وفعله وسلوكه، لا حظّ له من التأييد الإلهي في شيء؛ لأنه لا يشعر بمعونته، أو أنه لا يحس بأن لله دخل في حياته..، ولكن ما خاض فيه علماؤنا قديما وهو الجانب العملي في البسملة، هل يجب التلفظ بها؟ هل تجب كتابتها؟ أم أن استحضارها في الذهن كاف؟ أي عندما يكتب الإنسان رسالة أو كتابا، هل يجب عليه أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم؟ أم أنه يتلفظ بها ولا يكتبها؟ أم يكفي أن يشعر بها وهو يكتب؟ فضرورة كتابتها في الكتابة المدرسية إذا ليست هي المشكلة الأساس في تقديري، وإنما المشكلة في الإرادة والإصرار على تغريب المدرسة الجزائرية، وإفراغها من محتوياتها الدينية والخصوصيات الوطنية الثقافية الحضارية، وذلك هو السر في استبعاد البسملة من الكتاب المدرسي، وإذا لم تكن هذه هي النية المبيتة، فماذا يضير معالي الوزيرة في وجود البسملة في الكتاب المدرسي…؟ كانت البسملة في الكتب اتركوها وشأنها، نحن لم نقل إنها لم تكن فأضيفوها وإنما نقول كانت في الكتب اتركوها..، وعندما يكون هناك إصرار على استبعادها فمعنى ذلك أن استبعادها له علاقة بالمنهجية التي تريد معالي الوزيرة فرضها على الأمة، وعندما أقول معالي الوزيرة، أقصد المنظومة التربوية التي تَقَرَّر فرضها منذ 1992؛ ردا على المدرسة الأساسية التي خرجت لنا إرهابيين !!.
إن المنظومة التي حُضِّر لها منذ ذلك الوقت، وحوصلها فريق بن زاغو، تريد أن تخرج لنا مواطنا يصلح لأن يكون كل شيء، يعني مواطن لا لون له ولا خصائص ولا مميزات، يصلح لأن تقول عنه جزائري، ويصلح لأن يكون فرنسيا أو تونسيا أو مغربيا، لماذا هذا التوجه؟ لأن هذه المرحلة هي مرحلة العولمة، ولا بد من إيجاد مواطن عالمي يذوب في حضارة العصر. وأهم المقررات التي تحافظ على اللون السياسي والحضاري الخصائص والمميزات هي: الدين، واللغة، والتاريخ.
أما الدين فلا ينبغي أن يهيمن على حياة الطفل والطالب، ولذلك لا بد من أن نخصص لهما حصة أو حصصا تعلمه كيف يصلي ويصوم ويحج، ولا ينبغي لهذه الحصص أن تتطرق إلى الفوارق الدينية والحضارية بين المسلم وغيره؛ لأن إنسان العولمة ينبغي أن يكون حياديا يستمد قيمه من حضارة العصر”الأوروبية الأمريكية”، وهذا التوجه هو الذي يفرضه عالم الكبار اليوم على الصغار، ولعلكم تابعتم منذ نهاية الثمانينيات الحملات التي تدعو إليها الدول العظمى وهي تغيير المنظومات التربوية، وتقليص التعليم الديني وشطب آيات الجهاد والخصائص الدينية ومصطلحاتها.
وأما اللغة فإن الأخطاء التي سجلتها جمعية العلماء على كتب الجيل الثاني التي طبعت، وقدمتها إلى الوزارة، لا توحي ببراءة هذه الأخطاء، وإنما توحي بإرادة كسر قواعد اللغة تمهيدا للتدريس بالعامية، وهو المشروع الذي تحدثت عنه معالي الوزيرة ورفض.. فالمناسب إذا هو أن هذه اللغة التي يريد المجتمع التعلق بها لابد من كسر قواعدها، ليعود إلى العامية تلقائيا.
أما التاريخ وقد أريد له ذات يوم أن يكون مكانه “المزبلة”، اليوم يتآمر عليه بأمثلة أقل ما يقال فيها أنها خيانة للوطن والثورة والشهداء..، فالمثال الذي ذكر في تعريف الديمقراطية وهو الاستفتاء على الاستقلال، يوحي بأن الجزائر نالت استقلالها بفضل الاستفتاء!! وليس بالثورة والشهداء والتضحية.. وهذا المثال يريد أن يقول إضافة إلى ذلك أن فرنسا التي استعمرتنا 132 سنة دولة ديمقراطية لأنها أعطتنا الاستقلال وفق نتائج التصويت، يا له من خذلان!!
وهذا التوجه أيضا يريد أن يقول لابد من محو الأحقاد بين الجزائريين والفرنسيين، وتجاوز الجرائم التاريخية؛ لأن الإنسان الذي نريد تخريجه اليوم ينبغي أن ينسى وأن يتخلى عن كل خصوصياته كما أسلفنا.
ويضاف إلى كل ذلك أن الوزارة في كل عام وفي كل بداية دخول مدرسي، تخرج لنا ببدعة، بدعة إلغاء مقطع من النشيد الوطني، بدعة الصراع اللغوي العربي والفرنسي، بدعة الرموز الرياضية، وقريبا سيكون الصراع اللغوي العربي الأمازيغي، وقصة النيل من المدارس القرآنية، والتدريس بالعامية، وهذا العام إلغاء البسملة من الكتب المدرسية، وهذه الأيام بدأت قصة النقاب والخمار…، مما يوحي بأن العمق الاستراتيجي لتحريف المنظومة التربوية الوطنية عن مسارها يسير بتؤدة، وكلما أراد القوم تمرير شيء يصعب تمريره بسهولة يلقون للشارع بفكرة تبدو عظيمة ولكنها أهون بكثير مما يراد تمريره، فالبسملة مثلا، ماذا سيكون تأثيرها على المجتمع بقيت أو ألغيت؟ إذا ما تحقق وتأكد مبدأ استبعاد الدين من المنظومة التربوية؟