فيروس كورونا وموازين القوى الدولية
بقلم الدكتورة ليندة طرودي /
أولاً وقبل كلّ شيء، يعيش العالم اليوم مأساة حلّت فجأة، كُنّا جميعًا في حالة روتينية دفعتنا للتذمُّر من سيرورة أيامنا، فهذا يُريد أموالاً أكثر وذاك يُطالب ببيتٍ فخم، والآخر يحلم بوظيفة العُمر، لكن اليوم جميعنا سواسية إذ أنّ كل فرد منّا يتمنى توفُّر اللقاح المضاد لفيروس كورونا، قلوبنا تتأرجح بين الدُعاء والاستجابة، ودائما ما أرتاح لقوله تعالى في سورة الطلاق الآية 1: “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا”.
لقد اقتنعنا بأهميّة العلم والعُلماء، باتت التفاهات الأُخرى واضحة، كل الأمل في أن نتهذّب ونعرف قيمة الأشياء بعد مرور هذه الأزمة، أن نهتم بالعلم أكثر ونوفّر للعلماء أجواء مناسبة لإجراء بحوثهم وقبل كلّ شيء عدم تجاهل البيئة، إذ شاعت الكثير من المقالات عبر مختلف المواقع التي تقول بأنّ كورونا ساهم في التقليل من حدة تلوث الهواء الناتج عن دُخّان المصانع وكذا مختلف قنوات المياه التي دبّت فيها الحياة من جديد، وليس لنا إلاّ أن نتساءل هل هذه دورة حياة الأرض والطبيعة؟ أم أنّها شواغِل إعلامية لكسب أكبر عدد من الزّوار لمواقعها؟.
والآن سنعود إلى التداعيات المحتملة لــ كورونا على العلاقات الدولية، على المصالح الكبرى والأجندات السياسية التي تأجّل تدارسها بسبب الأوضاع المفاجئة، أم أنّ هذا الفيروس كان ضمن هذه الأجندات لكنّه تمرّد وخرج عن سيطرتهم وتطوّر في مدة قصيرة ما تسبب في الكثير من الوفيات؟ كلّ هذا وذاك شكوك اعتبرها البعض وهم قابع تحت عباءة المؤامرة التي ما تزال تدور في فلك الدول المتخلفة.
هل ستطول مدة اكتشاف الدواء المُناسب، أم أنّ بعض الدول قد اكتشفته لكنّها تمنع التصريح عنه للاستفادة من الخسائر التي ستتجرّعها الدول الأخرى المنافِسة، لكن حتى هذه الدول سيتضرر اقتصادها في حال ماطلت، لكن الثمن الباهظ للقاحاتها التي اكتشفتها قد يُعوِّض الخسائر بل ويزيد الأرباح، قد يبدو ذلك محض كلام، لكن عالم السياسة مليء بالمفاجآت غير المُبهجة.
هل سنتحدّث بعد أشهر عن تبادل المواقع بين الصين وأمريكا، أم أنّه تحالف تمّ في الخفاء وترتّب عنه فيروس لم يستطيعوا التحكّم به في مخابرهم، أم أنّها صُدفة ستسمح للصين بتغيير موازين القوى، وندخل مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، أم أنّها حرب باردة ظننّاها انتهت لكنّها جاءت بصورة حرب بيولوجية أُزهقت فيها أرواح بريئة؟
نحن الآن نعيش حقيقة هذا الوباء سواء كان مفتعلاً أم لا، لكنّه قد يُغير الكثير خاصة أنّ جميع الدول سواسية الآن من حيث توقف عجلة اقتصادها، لكن شبه المؤكد أنّ المتضرر الأكثر هم دول العالم الثالث، التي عانت من الاستعمار وها هي اليوم تُعاني من الأوبئة، فكان الله في عون شعوبها وكان الله مع جميع الشعوب في هذه المأساة لأنّ الإنسانية هي من تتحدّث ها هنا والألم واحد.
سياسة توازن القوى سُكِب في فحواها الكثير من الحِبر، ودائما ما كانت الحلقة تدور وتدور ثم ترجع لتُشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية، القوة التي بسطت نفوذها وسيطرت على مختلف المستويات فرسّخت في أذهان الأنظمة أنّها أشرس الأعداء وأمكر الحُلفاء، لكن ما خفي حتى أمريكا لا يُمكنها تصيّده مهما بلغت درجة قوتها الاقتصادية أو العسكرية، لأنّ الصين مثلاً معروفة بتقليد كلّ شيء، لكن ما هو الذي لم تُقلّده ولا نعلم عنه شيئًا ولم تُصرّح عنه وقد لا تفعل، لست أقصد الوباء لأنّها أولى المتضررين، لكن ذلك لا ينفي إمكانية تورطها وخروج الأمر من يدها، وأقصد أنّها ربما في المستقبل القريب الذي قد يأخذ أشهراً أو أياماً قد تكشِف عن أوراقها، أم أنّ كل هذا كلام لا وجود له على أرض الواقع.
لاشيء ثابت وعليه فبقاء موازين القوى على حالها لعدة عقود لم يكن مريحاً أبداً، وهذا الروتين في البحث والتنظير ربما قد آن له أن يأخذ منحى آخر، فهل ستكون أمريكا والصين في الواجهة، أم روسيا وألمانيا أم دول أخرى فتيّة، لست أدري لماذا يقودني قلمي لكتابة العالم الثالث الذي قد تتغير موازينه غير المرئية فهو مجرّد بقعة لجني الثروات، لكن هل ستظل التصنيفات على حالها؟.
ربما من يقرأ هذه السطور سيقول ما هذا التهويل هو وباء لا علاقة له بالسياسة والعلاقات الدولية البتة ولكن حتى لو كان الوباء مفاجأة صدمت جميع الدول، فإنّه سيؤثر بطريقة أو بأخرى على مصالحها وستنتقل جميعها بعد اكتشاف العلاج المناسب من أزمة صحيّة عالمية أثرت على أمن الدول، إلى أزمة اقتصادية عالمية ستؤثر على موازين القوى، لأنّ يوم واحد فقط في مجال المال والأعمال يؤدي لخسائر جسيمة، فما الحال في مجال الاقتصاد وفوق هذا ليس يوم أو يومان، بل ما يُقارب الأسبوعان منذ إعلان مختلف الدول وتدريجيا عن حالة الطوارئ، ومن أيام عن الحجر الصحي الذاتي والعزل المنزلي ووقف التنقلات بين الدول، هذا كلّه له مؤشرات حيوية تتأثر بالصعود والنزول، وهناك جنود خفاء الآن يتدارسون الخسائر ويضعون الخطط البديلة سواء لِمَ بعد الأزمة أو في حال استمرارها لوقتٍ أطول أو ما يُسمى بالتعايش في ظل الأزمة الصحيّة العالمية التي أثّرت على كل القطاعات: السياسية، الاقتصادية، الأمنية، الاجتماعية وحتى الثقافية وهذه الأخيرة مُرتبطة بالقيم الديمقراطية التي طالما نادت بها الدول الغربية، لكن تصرفات بعض الشعوب أثبتت أنّ هناك خلل كبير في النظام الديمقراطي يجب تدارسه أكثر في بحوث مُعمّقة.
وبالنهاية لا أملك إلاّ أن أدعو الله بأن يرفع عنّا هذا الوباء ويرحمنا ويعفو عنّا ويُغيثنا.