انطباعات زائر جزائري .. إلى تونس (2)/ بقلم/ الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم
يلحظ الزائر لتونس اليوم، بعض المظاهر السلوكية التي تصدمه. فتونس الخضراء التي عهدناها بطبيعتها، والبيضاء بنقاوة شوارعها، وأحيائها، سطا عليها التلوث ممثلا في محاصرة النفايات لها. فكثيرا ما تصدمك عبارة مكتوبة على الحيطان هي “الله لا يرحم والدين من يضع القمامة هنا”.
إنه منظر لم نألفه في تونس من قبل!
ومن المناظر التي تصدمك أيضا، انتشار ظاهرة لباس “الشورط” في الشارع التونسي عند الرجال، من مختلف الأعمار، شيبا، وكهولا وشبابا، وهو ما لم نعهده في الرجل التونسي، الذي كان متميزا بأناقته، سواء بلباسه العربي، أي بالجبة التونسية الأنيقة التي أصبحت مهجورة اليوم، أو باللباس الإفرنجي الأنيق هو الآخر.
وعلى العكس من ذلك، نلاحظ عودة اللباس المحتشم، لدى المرأة التونسية، بمختلف أنواع الحجاب، ولدى مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية من التونسيات، وهو غير مألوف في تونس مند أمد قريب.
وسط هذا التمازج الغريب، بين اللباس غير المحتشم عند الرجل التونسي، والحجاب الأنيق لدى المرأة التونسية، تقدّم تونس لزائرها هذا المظهر الفسيفسائي.
وهناك ظاهرة أخرى صادمة لزائر تونس، وتتمثل في بداية ظهور العنف، في سلوك الناس، سواء في العنف اللفظي لدى المعاملة، أو في حركة المرور، لدى بعض المتهورين في الدوس على كل قوانين المرور، والقيم الأخلاقية.
إلى جانب هذه المظاهر المشينة، التي ميّزت تونس في صيف عام 2017م، تُضاف، بعض مظاهر عدم التسامح، في الإعلام التونسي، فقد شغل الإعلام التونسي، بجزئيات، لا أهمية لها، كظهور الشيخ راشد الغنوشي زعيم التيار الإسلامي في تونس، ببذلة إفرنجية أنيقة، تطبعها ربطة عنق جميلة هي الأخرى. فهل مثل هذا اللباس من جانب الشيخ راشد الغنوشي، ملفت للأنظار إلى الحد الذي تُخصص له المقالات الطويلة والعديدة؟
كما أن ظهور الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، وهو ليس محسوبا على التيار الإسلامي، إنّ ظهوره بأفكاره الجريئة على شبكة قناة الجزيرة القطرية، قد جلب عليه كل أنواع النقد اللاذع إلى حد الشتم، لمجرد أنه عبّر عما في مخزون وعيه من فكر، تجسّد في نقده الذاتي للطبقة السياسية الحاكمة، والأحزاب، الموالية منها والمعارضة، وكل ذلك في ضوء ما عاشه الرئيس المرزوقي في سرايا الحكم. فهل تضيق الديمقراطية الفتية في تونس، بمثل هذا الفكر النقدي. الذي أبداه مسؤول تونسي لا أعتقد أنّ أحدا يشكك في وطنيته وفي بلائه من أجل إرساء الديمقراطية في تونس؟
وثالثة الأثافي في المظاهر الصادمة للزائر الجزائري مثلي إلى تونس، هي القنبلة السياسية، التي فجرها الرئيس التونسي قائد السبسي، حينما خرج على الناس باقتراح إعادة النظر في نظام الميراث في تونس، وتطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين في الميراث، متحديا بذلك ما عرفته تونس العربية المسلمة، وما دأبت عليه من تطبيق للشريعة الإسلامية في نظام الميراث. والأغرب من هذا كله أن ينبري بعض المحسوبين على الفتوى أو على الفكر الإسلامي، للإشادة بهذا المقترح داعين إلى تطبيقه، برغم أنه يصدم حكم الله.
وما زاد الطين بلة، هو تثنية الرئيس قائد السبسي باقتراح، تشريع زواج التونسية المسلمة، بالأجنبي غير المسلم.
ودون التدخل في الشأن التونسي الخاص، وأهل تونس أدرى بقوانينها، وتقاليدها، فإنّ العامل الديني والعامل الوطني، يبرزان كحاجزين هامين في تطبيق مثل هده القوانين.
إنّ هذه المظاهر وغيرها، هي التي صارت تطبع تونس اليوم، فتُدهش الزائر الذي عرفها من قبل، وكانت نموذجا في الاستقرار النفسي والأمني، وفي الاستقرار الاجتماعي والأخلاقي، فكان يضرب المثل بالتونسي، في تأدبه، وهدوء شخصيته، وحسن معاملته للناس. فماذا دهى تونس وأيّ بعوضة خبيثة لسعت إنسانها فحادت به عن خطه الصحيح والصريح، وأدخلته في مثل هذه الأنفاق المظلمة والمسدودة.
على كل فإن ما يمكن أن نخرج به من انطباع كزائرين لتونس، هو لفت انتباه القائمين عليها، بضرورة مراجعة الكثير من الأشياء، خصوصا ما يتعلق بالسائحين الجزائريين الذين يقبلون على تونس حبا فيها، وأملا في حسن استقبالها وضيافتها، فإذا صدموا من البوابة الأولى بوابة الدخول، ومن المشرفين على الدخول إلى تونس، وهم وجهها الجميل الذي ينبغي أن يتسم بالابتسامة التونسية المعهودة، وأن يبتعد عن تقطيب ملامح الوجه الغريبة عن الإنسان التونسي. إذا صدم الجزائريون بمثل هذا السلوك، وبأسوأ الظروف المعدة للاستقبال، فإن ما نخشاه، هو أن يولي السّياح الجزائريون وجوههم عن وجهة تونس، ودون أن يكون مَنًّا على تونس، فإن حدوث مثل هذا التصرف من جانب الجزائريين سيكون ذا عواقب وخيمة على الجزائريين أنفسهم، من الوطنيين العروبيين الإسلاميين وعلى التونسيين أنفسهم، وهم في عز أزمتهم الاقتصادية.
حفظ الله الجزائر وتونس من كل مكروه.