الحياة هكذا…

زارني أستاذ في التعليم الثانوي، وفي حديثنا المتنوع المتشعب تجلى لي أنه شديد التذمر بما يجري في الأرض من المنغصات، فكأنه لا يريد هذه الحياة إلاّ جميلة لا قبح فيها، هادئة لا زعازع فيها، سعيدة لا حزن فيها، فقدمت له هذا الدرس:
يحكى أنّ داويت مودي الواعظ الأمريكي الشهير، تقدم يوما إلى تلامذته بأن يتباروا في استنباط المعاني، فمن جاء منهم بأحسن فكر أجازه بخمسمائة ريال، فكان الفارس المجلى في هذا التنافس من قال:
“يتذمر النّاس من أن البارئ جل وعلا أنبت مع الورد شوكا، أفما كان أحرى بهم أن يحمدوه إذ أنبت مع الشوك وردا”
إنّ ما لا شك فيه أن ممّا يساعد الإنسان في هذا الوجود على النّجاح في الحياة أن يقبل ما فيها من الأشواك والأسواء، فالحياة هكذا حلاوة ومرارة، وغنى وفقر، وصحة ومرض، وفرح وحزن، وتلاق وافتراق.
فمن وطّن نفسه على الحياة بهذا المعنى وهذا النمط هان عليه ما يلاقي في حياته من أحوال منغصة.
وفي هذا المجال نقرأ ما يلي لأهل الفكر:
قال فونتيل: “إنّ الاسراف في الأمل والرجاء هو حجر عثرة في سبيل السعادة والهناء”.
وقال السرجون ليوك: “لو أنّ الموكول إليهم أمر تربية الناشئة علموهم المسرة بمهامهم بقدر اهتمامهم بمسرتهم لآل ذلك إلى ترقي العالم وسعادته”
وكان أوليفر وندا هولمز، وقد بلغه الكبر لا ينفك أبداً يذكر جميل معلمته التي علمته صغيراً الإغفاء على مساوئ الحياة، فكانت إذا جرحت أصبعه تصرفه عن ألمه بدمية تهديها إليه، أو حكاية تقصها عليه.1
إنّ كثيراً من النّاس ينسون أنّ هذه الحياة دار بلاء تتموج في أرجائها نسمات منعشة من حين لآخر، إذ يظنون أنها دار راحة وسلامة وهناء، فإذا نزل بهم ما يكدر صفوهم، وينغص حالهم، ضاقت بهم الدنيا ذرعا، وسيطر عليهم الهلع، وملأوا الأرض شكوى وبكاء، وانطووا على أنفسهم في انتظار الموت حتى ينزل بهم.
وبهذه النظرة إلى الحياة تتعطل قوى عامة في المجتمع.
ومن هنا قال احد الحكماء:
“ينبغي أن يعود الأطفال الانبساط والارتياح إلى كل ما يعرض لهم في الحياة، ناظرين إلى الأشياء من وجهها المشرق المنير لا المظلم القاتم.
أما الوجه المظلم الكئيب فالواجب أن يعودوا على أنه هين بجانب الوجه المشرق.
1عن تفسير طنطاوي جوهري، ج7، ص200
بقلم: أ. محمد الصالح الصديق