في رحاب الشريعة

فضل العلـم… واستقبال العام الدراسي بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(1).

يعود أبناؤنا وفلذات أكبادنا من الطلاب والطالبات إلى مقاعد الدراسة في هذه الأيام بعد انتهاء الإجازة الصيفية، حيث فتحت المدارس أبوابها لاستقبال عام دراسي جديد، وأقبل عليها الطلاب لينهلوا من معين العلم والمعرفة والتربية والتوجيه، وبهذه المناسبة فإننا نهنئ أبناءنا الطلاب بعامهم الدراسي الجديد، سائلين المولى عز وجل أن يكون عام خير وبركة عليهم وعلى معلميهم وذويهم، إنه سميع قريب.

من المعلوم أن للعلم والتعلم مكانة عظيمة في ديننا الإسلامي الحنيف، فقد اعتنى ديننا الإسلامي أعظم عناية بالعلوم الشرعية والكونية وسائر العلوم النافعة للإنسان في شتى المجالات.

فضل العلم في القرآن والسنة

لقد وردت آيات عديدة تتحدث عن فضل العلم، منها:

– قوله سبحانه وتعالى:{اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(2).

– وقوله سبحانه وتعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(3).

– وقوله سبحانه وتعالى أيضاً:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(4).

كما وردت أحاديث عديدة تتحدث عن فضل العلم، منها:

– قوله – صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، والْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ ليلةَ البدرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ)(5).

– وقوله – صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ)(6).

– وقوله – صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ)(7).

– وقوله – صلى الله عليه وسلم – أيضاً: (...إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)(8).

كما بيّن الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين – منزلة العلم والعلماء في كثير من أقوالهم ووصاياهم،  فمن ذلك ما أُثِرَ عن الإمام علي – رضي الله عنه – قوله: (العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك، وأنتَ تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزيد بالإنفاق)، كما ذكرت كتب السيرة حرص الصحابة –رضي الله عنهم أجمعين– على حضور مجالس العلم.

إن العملية التربوية والتعليمية منظومة متكاملة وسلسلة متصلة لا ينفكّ بعضها عن بعض، ومع بداية العام  الدراسي الجديد يتحمل الجميع مسؤوليات كثيرة، والواجب علينا جميعا أن نقوم بهذه المسؤولية على أكمل وجه، وفي مقدمة أولئك الطالب والمعلم وولي الأمر:

1– الطالب : من المعلوم أن على الطالب واجباً كبيراً يجب عليه القيام به على أكمل وجه، وفي مقدمة ذلك الحرص على الاجتهاد في الدراسة ومتابعتها أولاً بأول، ووجوب الانتباه إلى شرح المعلم والإنصات إليه، ورحم الله الإمام الشافعي، حيث قال:

أَخي لَن تَنالَ العِلمَ إِلاّ بِسِتَّةٍ              سَأُنبيكَ عَن تَفصيلِها بِبَيانِ

ذَكاءٌ وَحِرصٌ وَاِجتِهادٌ وَبُلغَةٌ            وَصُحبَةُ أُستاذٍ وَطولُ زَمانِ

كما يجب على الطالب احترام المعلمين وتقديرهم وتنفيذ أوامرهم، فالمعلم هو أساس التعلم، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: “تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، وَتَعَلَّمُوا لَهُ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ“(9)، و ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال:

اصبرْ عَلى مُرِّ الجَفا مِن مُعَلِّمٍ           فَإِنَّ رُسوبَ العِلمِ فــــي نَفَراتِهِ

وَمَن لَم يَذُق مُرَّ التَعَلُّمِ ساعَةً           تَذَرَّعَ ذُلَّ الجَهلِ طولَ حَياتِهِ

وَمَن فاتَهُ التَعليمُ وَقتَ شَبابِهِ             فَكَبِّــر عَلَيـــــــهِ أَربَعــــاً لِوَفاتِـهِ

2– المعلم : انطلاقاً من الحديث الذي يخاطب فيه رسولنا – صلى الله عليه وسلم – المعلمين، كما رُوِيَ عَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ( سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ: مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَاقْنُوهُمْ، قُلْتُ لِلْحَكَمِ: مَا اقْنُوهُمْ، قَالَ: عَلِّمُوهُمْ)(10)، لذلك فإنه يقع على المعلم واجب كبير ومهمة جليلة، فالمعلم اليوم في مقام الوالد للولد، لذلك يجب عليه أن يغرس في أبنائه الطلاب الأخلاق العالية والآداب الحسنة، وأن يعمل على تنمية مواهبهم وزيادة قدراتهم وتصحيح أخطائهم، فالمعلم له دور كبير في صقل الطالب وتهذيب خُلُقِه، والأخذ بيده إلى ما فيه الخير وإرشاده إلى ما يلائمه من دراسة وعمل، لذلك يجب علينا احترام المعلمين وتقديرهم، فقد ورد في كتب السيرة أن أبا حنيفة النعمان الإمام المعروف – رحمه الله –  كرَّم معلم ولده بألف درهم لأنه علمه سورة الفاتحة فقط، فما بَالُكَ بأساتذتنا الفضلاء ومعلمينا الكرام، الذين يُخَرِّجون للمجتمع: الطبيب، والمهندس، والمحامي، والعالم، وأصحاب الكفاءات، ونحن في هذه المناسبة نقول لأساتذتنا الفضلاء: أنتم تستحقون كل خير، وكل تقدير، فمن علمني حرفاً كنتُ له عبداً، فجزاكم الله عنا خير الجزاء.

3– ولي الأمر : إنَّ تربيةَ الأبناء مهمّةٌ جليلة، خصوصًا في هذه الأوقات، فليس دوركم أيها الآباء هو توفير الزي المدرسي والقرطاسية والأمور المادية فقط، بل هذا واجب عليكم تجاه أبنائكم، ولكن أيها الأب الكريم عليك واجب أعظم من ذلك، وهو تحمل المسؤولية الكبرى في تعليم أبنائك وتربيتهم ومتابعتهم، وغرس حبّ المدرسة وحبّ المعلم والتعليم والمعرفة في نفوسهم، كما يجب على ولي الأمر أن يحثَّ أبناءه على الدراسة والمواظبة والاجتهاد في التحصيل العلمي ليؤدوا واجباتهم على أكمل وجه، وكذلك وجوب الاستعداد للدروس الجديدة.

كما يجب عليه إن كان على قسط من التعليم أن يعلم أبناءه ويراجع معهم ما قطعوه في دراستهم، وأن يوجههم إلى الطريق السليم حتى يكونوا أبناء صالحين، وأن يختار لهم المستقبل المناسب علمياً كان أو مهنياً حسب قدرات ولده، ومما يُؤسف له أن بعض الآباء لا يعرفون أبناءهم في أي مستوى دراسي ولا في أي فصل، وهذه طامة كبرى، ومنهم من يقضي الساعات الطوال خارج البيت في الثرثرة، ولا يجلس لحظة مع أولاده يعلمهم ويناقشهم ويستمع إلى مشاكلهم، وصدق الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم-: “وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ”، كما رُويَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-، أَنَّهُمْ قَالُوا: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا ما حَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، فَمَا حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ؟ قَالَ: أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ، وَيُحْسِنَ أَدَبَهُ )(11) .

لذلك فإن على ولي الأمر مسؤولية كبرى، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فيجب على ولي الأمر زيارة ولده في مدرسته ولو شهرياً على الأقل، يسأل عن ولده ويشجعه ويأخذ بيده إلى الأمام، فيشعر الطالب بالأمن وأن عين أبيه معه وبجانبه تراقبه، فيهتم بدروسه ويتحسن سلوكه وتستقيم أخلاقه، كما يشعر المعلم أن ولي الأمر معه يسانده ويقدر جهده وعمله، لذلك لا بُدَّ أن يعرف كلٌّ منَّا واجباته تجاه الآخر، سواء كان متعلماً أو معلماً ومربياً أو ولي أمر.

ونحن إذ نحيي طلبتنا ونشد على أيديهم، وندعو الله لهم بالتوفيق والسداد، ونتمنى أن يحققوا ما يصبون إليه من تقدم ونجاح وتفوق، فهم أملنا الكبير، وعليهم يعتمد مستقبل هذا الوطن، ومن خلالهم ينطلق البناء الصحيح للمجتمع، فبالعلم ترتقي الأمم، وبالعلم يحيا الإنسان، وبالعلم تتطور الشعوب، وبالعلم ينتصر الحقّ على الباطل، وبالعلم ينتصر المظلوم على الظالم، لأن العلم نور، والله نور السموات والأرض.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

الهوامش :

1- سورة المجادلة الآية (11).

2-  سورة العلق الآيات (1-5).

3- سورة الزمر الآية (9).

4- سورة فاطر الآية(28).

5- أخرجه أبو داود.

6- أخرجه الترمذي.

7- أخرجه الترمذي.

8-أخرجه الترمذي.

9- أخرجه الطبراني.

10- أخرجه ابن ماجه.

11- أخرجه البيهقي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com