في سبيل المعرفة
- محمد الصالح الصديق
هتف إلى ذات مساء أستاذ قضى جل عمره في التربية والتعليم في مدارس جمعية العلماء، واشتهر بحب القراءة، واقتناء المفيد من الكتب.
هتف إلي وقال إنه تعب كثيرا في البحث عن الشاعر الوطني الذي قال هذه الأبيات، وأنه أشد حاجة إلى ذلك، وهذه هي الأبيات:
يا بني الشرق أين ذاك الضياء أين تلك النفوس والآلاء
أين ذاك المقام تحسده الشمــــ ـــــس بهاءً وأين ذاك العلاء
أين من طاولوا النجوم فودت شرفا أنها لهم حصباء
أين أرض قد خصها الله بالوحـــــــــ ــي وجاءت من قومها الأنبياء
قد عهدنا بالشرق مطلع أنوا ر فما باله عراه المساء
أي شيء جرى على الكون حتى انــ ــقلبت عن نظامها الأشياء؟
فرأينا غرب البلاد منيرا وغدونا وشرقنا الظلماء
قرأ عليّ الأبيات وقد كنت قرأتها منذ أعوام في مجلة (الهلال)، ولكني نسيت صاحبها وترددت بين هؤلاء الشعراء:
الرصافي، والزهاوي، وخليل مطران.
وبعد بحث طويل عثرت على الأبيات وأنها لنجيب الحداد، وهي من قصيدة بعنوان: (يا بني الشرق).
فلما أخبرته طار فرحا وقال: لا أرى لما فعلته إلا زيارتك تقديرا لجهدك.
وكنت أظنها كلمة يفرضها الذوق والمجاملة، ولكن ما راعتني إلا أن يأتيني في الغد مع شيخوخته، ولما عاتبته على تحمل مشقة التنقل قال:
“خير مرآة ترى فيه نفسك هي عملك”
فليكن عملنا جميلا جليلا، وهل هناك أجمل وأجل من تحرك في سبيل المعرفة؟
فقلت له:
وكل سعي سيجزي الله ساعيه هيهات يذهب سعي المحسنين هبا
ثم وعدته بتسجيل ما جرى في كتابي من كتبي وشكرني، ولكنه رجاني أن لا أذكر اسمه، وها أنذا أفي بما وعدته، وألبي رغبته، عليه رحمة الله.
ومما يستوقفنا في هذا الذي قدمناه هو حرص هذا الشيخ على المعرفة، وفرحه بتلبية رغبته، ورغم كبر سنه أبى إلا أن يأتي شاكرا ومعلنا عن فرحه بنيل مناه.
وهذا ما أصبح عند أجيال هذا العصر نادرا أو معدوما، أما إذا عدنا إلى الماضي البعيد فسنقف مبهوتين من حرصهم على العلم والمعرفة، ومن ذا الذي لا يقف مبهوتا منبهرا من عالم يسافر من المغرب الأقصى إلى الحجاز ويقضي في هذه الرحلة ستة أشهر من أجل أن يصحح سندا أو قضية من قضايا العلم؟
إنه عشق للعلم، دونه كل عشق يمكن تصوره من الإنسان لشيء نفيس أو جميل في هذه الحياة.