الكتاب المدرسي وما يقال حوله/ الدكتور عمار طالبي
ذكرت السيدة وزيرة التربية أنه في عهد الشيخ عبد الرحمن شيبان لما كان مفتشا عاما لم تكن الكتب المدرسية تحمل البسملة، وهذا لا أساس له من الصحة.
إن تاريخ الكتاب المدرسي في الجزائر يحتم علي أن أذكر أن أول لجنة لتأليف الكتاب المدرسي باللغة العربية تكونت في عهد أول وزير للتربية وهو عبد الرحمن بن حميدة، رحمه الله، وهو ثوري وقد حكم عليه بالإعدام، وكان أعضاؤها من الأساتذة:
عبد الرحمن الجيلالي، عبد الله شريط، حنفي بن عيسى، الهادي السنوسي، وعمار طالبي.
وكنا نختار نصوصا لهذه الكتب، ولا يخلو أي كتاب من البسملة، ونحن نعلم أنه طوال أربعة عشر قرنا كل المؤلفات في شتى المعارف والعلوم بما في ذلك الرياضيات والفلك وكتب الفيزياء والفلسفة لا تخلو من البسملة.
ولذلك نعجب من تصريح السيدة الوزيرة من غير علم بتاريخ نشأة تأليف الكتب المدرسية، أما الكتب المدرسية في العهد الاستعماري في العلوم وفي غيرها فشيء آخر، والكتب المدرسية في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت كلها تبدأ بالبسملة، وبعض هذه الكتب ما تزال بأيدينا وكل المؤلفات التي كانت تطبع في مطبعة رودوسي قدور التركي بالجزائر العاصمة في الدين والتاريخ والشعر لا تخلو أبدا من البسملة، بل الكتب التي تطبع في مطبعة فونتانا وهي مطبعة فرنسية كذلك تبدأ بالبسملة، وأول طبعة لمختصر خليل وهو في التشريع طبعت في باريس بأمر وزارة الحرب الفرنسية، تبدأ بالبسملة.
فما هي إذن حجة السيدة الوزيرة التي تلقي الكلام بدون سند، ولا وثيقة تاريخية، وهي التي تقول إنها معنية بالتربية، وكتبت مقالا تقول فيه إنه آن الأوان كي لا نخلط بين الدين والعلم، بعنوان: المدرسة والدين، وحشدت عدة أقوال للأجانب تستشهد بهم، وهم ينظرون إلى الثقافة بمنظار ثقافي خاص بهم،
وهم لائكيون علمانيون في دساتيرهم، ونحن في أوائل دستورنا أن الإسلام دين الدولة والعربية لغتنا.
ولعل السيدة المحترمة تريد أن تجعل ثقافتنا علمانية تبعد الدين منها وهو أساس هذه الثقافة وتاريخ الأمة.
ولعلها تواكب ما يحدث في تونس من الدعوة إلى مخالفة القرآن في آياته الصريحة في المواريث، والدعوة إلى زواج المسلمات بمن يكفر بدينهن ولا يعترف به مع أن المسلم يعترف بالنصرانية ورسولها عيسى، وباليهودية ورسولها موسى، ونسمي أبناءنا عيسى وموسى، وهم لا يمكن أن يسموا أبناءهم بمحمد أو غيره من أسماء المسلمين.
وأكثر الأنبياء ذكرا في القرآن موسى، ولم يذكر اسم امرأة في القرآن سوى مريم عليها السلام، ونحن نسمي أبناءنا يوسف، ويعقوب، وإسحاق إلى غير ذلك من أنبياء بني إسرائيل كداوود وسليمان.
إننا ندعو الوزيرة أن لا تصرح بما ليس لها به علم موثق، فإن مسؤولية التربية خطيرة، فهي انتقال الثقافة إلى الأجيال وتجديدها، ليتكون الرجل والمرأة الصالحان لقيادة الأمة في سبيل تقدمها وتحسين مناهجها في الفكر والعمل، وإعداد العلماء والباحثين المبتكرين، فهم قاطرة المجتمع في النهضة به، وتطوير ثقافته واقتصاده بالبحث العلمي، الذي يكفل خدمة الفلاحة والزراعة، وهي أساس ضمان الاكتفاء الغذائي والإقلاع الاقتصادي.
إن الاضطراب الحاصل اليوم في مجال التربية سواء في الدخول المدرسي أو عدم توفر الكتاب وعدم التحاق بعض المعلمين، أمر يدعو للحيرة والقلق على مصير أبنائنا وجدارة مدارسنا في أن تكون صالحة للتعليم، سعة وضيقا ومرافق، وتدريبا للمعلمين، وخلو الكتب من الأخطاء الفادحة، كأن الجزائر تخلو ممن يحسنون اللسان العربي وتركيب الجمل، ومعرفة التاريخ وطرق التدريس.
ونخشى أن يتخرج الطالب، وهو لا يعرف أن يكتب بلغة سليمة، ولا يفهم النصوص لا بالعربية ولا بلغات أخرى أجنية مما يجعل الطالب الجامعي شبه أمي.
إنه لخطر كبير تتعرض له المنظومة التربوية في بلادنا.