إلى أين تتجه السفينة.؟!/كمال ابوسنة

لقد بات من الضروري على من تحملوا مسؤولية قيادة الجزائر وتقرير مصيرها في هذه المرحلة أن يقرؤوا تجارب التغيير في بعض البلاد العربية قراءة واعية بقلب يخاف على مستقبل هذا البلد بعيدا عن لعبة المصالح الشخصية، لأن المصلحة الشخصية في الواقع متعلقة في هذه المرحلة الصعبة بالمصلحة العامة، وأي مساس بالمصلحة العامة هو مساس بالمصلحة الخاصة إذا أردنا أن نحسبها بطريقة “براغماتية”صرفة، حتى لا يخسر الجميع، ولا تذهب هباء منثورا تضحيات من خضبوا أرض الجزائر بدمائهم، ومن سقوها بعرقهم..!
لم يعد مستساغا في جزائرنا الحبيبة التي يُعد أكثر شعبها من الشباب -وأغلبه من الجامعيين والمثقفين -أن تُفرض عليه سياسات معينة، فالأحوال قد تغيرت في عصر “الفيس بوك” وعصر المعلوماتية المتوفرة في الشبكات العنكبوتية، والنفوس أصبحت تواقة إلى ممارسة الحق في اختيار الأشخاص والسياسات بكل حرية مثل البلدان المتحضرة بعيدا عن التزوير والتضييق و”الآبائية” المفروضة على الأمة وكأنها لم تبلغ بعدُ سن الرشد، ورحم الله الإمام عبد الحميد بن باديس الذي قالها صريحة منذ مدة طويلة وهو يشرح أصول الولاية في مجلة الشهاب في غرة ذي القعدة 1356هـ/جانفي 1938م:
” لا حق لأحد في ولاية أمر من أمور الأمة إلا بتولية الأمة، فالأمة صاحبة الحق والسلطة في الولاية والعزل، فلا يتولى أحد أمرها إلا برضاها، فلا يُورث شيء من الولايات، ولا يُستحق لاعتبار شخصي..”.
مشكلتنا في الغالب هي أن القرارات التي تتخذ والقوانين التي تُشرَّع لا تتجسد في الواقع فتبقى حبرا على ورق، والغريب أن كثيرا من المسؤولين -بصراحة- في مواقع عدة الذين يعيشون بعقلية “دولة في دولة” هم أول الكافرين بالقوانين، وأسبق الناس إلى مخالفة القرارات، خاصة التي تصطدم مع أهوائهم وطموحاتهم ومصالحهم، ولعل أوضح مثال على ما نقول قانون تعميم اللغة العربية، لغة القرآن، التي تعتبر اللغة الرسمية للدولة الجزائرية كما نص على ذلك الدستور الذي انتهكه كثير من المسؤولين على كل المستويات وأولهم أغلب الوزراء الذين لا يتورعون عن “عفس” هذا القانون المغبون في الداخل والخارج، وقديما قالوا:”الناس على دين ملوكهم”..!
إن أعناق الشعب الجزائري مشرئبة إلى مشروع الإصلاح والتغيير، ومن أمانيهم أن يتم تطبيقه على الحقيقة بهدوء وسلاسة بعيدا عن “الثورات الحمراء” التي تسيل فيها الدماء، وقد عاش عشريات أضاع فيها الكثير من الوقت، وخسر فيها من الأموال والأنفس والثمرات ما لا يعوض، ومن الظلم أن ندفع به إلى تكرار التجربة الماضية-لا قدر الله- والشعب الجزائري قد سبق كل الشعوب العربية إلى المطالبة بالديمقراطية وضحى من أجل ذلك بكل غال ونفيس، وتنفس هواءها وشم نسيمها وذاق طعمها ردحا من الزمن قبل الدخول في دوامة العشرية الحمراء…
ولهذا فمن حقه أن تُفتح أمامه أبواب الحرية والتغيير قبل أن يضطر إلى فتحها عنوة بالعنف وأعين الأعداء المتربصين ينتظرون هذه اللحظة لتنفيذ أجندات معدة سلفا لتركيع هذا البلد وتقسيمه والاستحواذ على خيراته وجعله كدمية الأراجوز التي تحركها الأيدي من خلف الستار أو عن طريق الأسلاك..!
إن التعامل مع الإصلاحات بعيدا عن إخلاص النية والمراهنة على ربح المزيد من الوقت واعتماد أسلوب “المماطلة الذكية” من معتقد أن الشعب سريع النسيان، أو تفريغ الإصلاحات من محتواها الحقيقي بـ”فبركة” شبه قوانين- تحت قبة البرلمان الذي لا يعبر عن رأي الجزائر العميقة – بتسميات طنانة ومصطلحات رنانة ولكنها خالية من قوة الفعل التغييري، ولا تسمن ولا تغني من جوع، لتفادي ما حدث في البلدان العربية من ثورات ضرب من العبث السياسي والمقامرة على حاضر الجزائر ومستقبلها.!