أمريكا تعيد النظر في المواقع /أ. محمد الحسن أكيلال
حماية إسرائيل أولوية
يبدو أن القصف الإيراني لقاعدة “عين الأسد” الأمريكية في العراق وما خلفته من إصابات في صفوف الجيش الأمريكي بعد انكشاف العدد الحقيقي ونوع الإصابات قد أثر بقوة في نفوس قادة الرأي في أمريكا وفي النخبة الحاكمة الحقيقية، وهذا يظهر جليا في القرار الأخير الذي اتخذه الكونغرس للحد من قدرة الرئيس في التعامل مع إيران في الصراع الذي أراد أن يدخل فيه الجيش مع هذه الدولة التي أخطأوا كلهم في تقدير حجم قوتها.
إن اتساع الجغرافيا التي تتواجد فيها القوات المسلحة الأمريكية والممتدة من أفغانستان شرقا إلى سوريا غربا وازياد حدة وعنفوان المقاومة فيها يفرض على مؤسسات اتخاذ القرار إعادة النظر والتفكير الجدي السريع في استراتيجية جديدة للصراع تعتمد تغيير التموقع لهذه القوات مع الأخذ بعين الاعتبار في هذه المواقع الجديدة لعدد من العناصر المهمة تتمثل فيما يلي:
- غنى المناطق بالثروات الطبيعية.
- قربها من فلسطين المحتلة وأمن إسرائيل.
- إفشال الخطة الصينية لإقامة الحزام وطريق الحرير الجديد.
هذه العناصر تجدها القيادة الأمريكية كلها متوفرة في القارة الإفريقية وهذا ما جعل هذه القيادة تتخذ قرارًا جديدًا تعلن فيه عن خطة جديدة لتنظيم القوات العسكرية في إفريقيا والتركيز خاصة على منطقة الصحراء والساحل حيث توجد احتياطات نفطية معتبرة وثروات معدنية كاليورانيوم والذهب والنحاس والفوسفات وغيرها مع ربط المنطقة بشرق إفريقيا بعد عقد الصفقة الأخيرة مع السودان، حيث يتم تأمين جنوب دولة الكيان الصهيوني في مياه البحر الأحمر المحاط شرقا بالمملكة العربية السعودية وغربا بمصر والسودان مع وضع مضيق باب المندب تحت الرقابة الدائمة إلى حين التخلص من مشكلتي اليمن والصومال في المستقبل القريب.
الانسحاب من أفغانستان
في الأيام الثلاثة الماضية توصلت أمريكا إلى مفاوضاتها مع ممثلي طالبان الأفغان إلى عقد هدنة مؤقتة أعلن “ترمب” بعدها أنه ينوي سحب قواته من أفغانستان إذا نجحت هذه الهدنة، في كل الأحوال تأكد تفكير الإدارة الأمريكية في سحب قواتها من أفغانستان بسبب التكاليف المالية الباهظة وقرب المنطقة من مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهذا لاشك سيكون مقدمة لبداية الانسحاب من العراق ثم سوريا. الموضوع يحتاج إلى ترتيبات فقط لتفادي ترك ظهر الدولة العبرية مكشوفا أمام سلاح محور المقاومة وإيران.
الترتيبات تخضع لشروط ومقتضيات استراتيجية وأمنية تفرضها الجغرافيا والجيوسياسية لكل الإقليم الذي يتواجد فيه كثير من القواعد العسكرية، كدول الخليج وتركيا.
إن إمكانية خوض الحرب ضد إيران كانت واردة منذ إعلان “ترمب” عن انسحاب بلاده من الاتفاقية النووية من جانب واحد، والرد الإيراني بقصف قاعدة “عين الأسد” ثم التهديدات الأخيرة بتدمير كل مكان تتواجد فيه قواتها في المنطقة بالإضافة إلى دولة الكيان الصهيوني؛ هذه التهديدات جعلت كبار القادة في الكونغرس يقررون وضع حد لصلاحياته في حال تطور النزاع مع إيران، لكن اندفاع رئيس الحكومة الصهيونية وقائد أركان جيشه يمكن أن يعوض القوات الأمريكية في القيام بهجوم محدود يستهدف أهم المنشآت النووية ومصانع الصواريخ الباليستية، وفي ذلك ما فيه من مخاطر توريط القوات الأمريكية في الحرب للدفاع عن هذه الدولة النشاز (الدولة العبرية).
لأجل هذه الحرب التي ما انفكت توقعاتها تزداد قررت الإدارة الأمريكية إعادة التموقع لقواتها واختارت القارة الإفريقية.
شبكة المواقع الجديدة في إفريقيا
في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وفي عهد الرئيس “رونالد ريغان” قررت الإدارة الأمريكية اقتحام القارة السمراء لتحل محل الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية.
لقد كان توقيع مصر لاتفاقية “كامب ديفيد” مع العدو الصهيوني أهم الوسائل والعوامل المساعدة لفتح أبواب القارة السمراء أمام الإمبريالية الأمريكية، ولعل أكبر المساعدين على العملية هو النظام المغربي الذي كان الوسيط بين الرئيس المصري “محمد أنور السادات” ووزير الدفاع الصهيوني الأسبق “موشي دايان” الذي بدأ بلقاءات سرية مع مستشار الرئيس المصري “حسن التهامي”، فالنظام المغربي القريب جدًّا من الدوائر الصهيونية والقوى الإمبريالية لعداوته المتأصلة للنظام الثوري في الجزائر وطموحه الجامح في توسيع حدود بلده وجد في خروج الاحتلال الإسباني من إقليم الصحراء الغربية فرصة ثمينة للانقضاض عليها واحتلالها ثم يسارع إلى عقد صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تقضي ببناء أول قاعدة عسكرية في أغادير.
هذه القاعدة أصبحت بعد رفض الجزائر لإقامة قاعدة عسكرية فيها وقيادة القوات الأمريكية في إفريقيا أصبحت أول المواقع التي ستليها مواقع أخرى في أقطار أخرى في القارة، والصفقة الأخيرة مع السودان تجعل من عملية تسهيل لإقامة قواعد ومواقع أخرى هو أهم الأهداف الاستراتيجية لأمريكا في المرحلة القادمة التي ترى في الصين العدو المنافس الأكثر خطورة في هذه القارة،كما ترى في هذه المواقع في حالة اندلاع حرب مع إيران أحسن المواقع من حيث بعدها على مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية.
فوجود مصر والسعودية على ضفتي البحر الأحمر ثم يضاف إليهما السودان ووجود المغرب على الضفة الغربية من البحر الأبيض المتوسط وعلى مضيق جبل طارق يعطي أمريكا خارطة للتموقع لا مثيل لها في التحكم على كل المياه الدافئة والمضائق المائية بإمكانها أن تسيطر عليها كل السيطرة وتجعل حتى من الاتحاد الأوروبي الذي ما زال يتحداها للإبقاء على وحدته بعد أن خرجت منه المملكة المتحدة، فتصبح العملية عملية تفكيك هذا الاتحاد مسألة وقت ليس أكثر في نظر الاستراتيجيين من المحافظين الجدد.
والحرب التي يريد أن يعلنها الرئيس “ترمب” قبل ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2020 ضد الصين الشعبية، يريد أن ينتصر فيها ويرغم الصين على الجلوس إلى مائدة المفاوضات وإخضاعها للأمر الواقع، انفراد أمريكا كقطب أحادي وقوة وحيدة تسيطر على العالم.