أقلام القراء

نكره سياساتكم …وليس أشخاصكم/ بقلم : جمال نصرالله

عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 مباشرة طرح المجتمع الأمريكي سؤالا جوهريا أو قل بمعنى آخر حضاريا وهو (لماذا يكرهوننا) ولحد اللحظة لسنا متأكدين من أحقية هذه المعلومة وهل المجتمع فعلا أدلى بهذا الطرح أم هي النخب المثقفة هناك أو بعض الدوائر السياسية ممن تريد تأجيج الوضع وصب الزيت على النار صبتين؟!

ضف …هل المقصود هنا أي الكاره هم العرب خصوصا أم المسلمين أم الأوروبيين أم سكان كافة المعمورة..لأن من روج لهذا السؤال لم يكن يدرك آنذاك من قام بذاك الفعل الشنيع في حق الأبرياء الـ 3000  أو تبنى تفجيرات البنتاغون والمركز التجاري مباشرة.

مما يرجح بأن السؤال قديم جدا وغائر في النفوس ساكن في الخواطر. وكأنه الحقيقة المدفونة التي كانت تنتظر الخروج في كل حالة طوارئ..وهو ما حدث فعلا…لكن يجب أن نسلم بأن المجتمع الأمريكي أغلبه مثقف وليس بعجيب أو غريب عليه أن يطرح سؤالا مثل هذا (لماذا يكرهوننا). وإذا سلمنا بأحقية هذه الفرضية من حقنا أن نسأل  ومن زاوية أخرى عن طبيعة هذا المجتمع المثقف…أهو جاهل لسياسات بلده في الداخل والخارج … بحكم أنه  يطلع يوميا وتصله أخبار كل صغيرة وكبيرة. ولأجل ذلك وجب العودة للتاريخ قليلا حيث نقرأ بأن السياسات الأمريكية ومع مطلع عشرينيات القرن الماضي قامت على مبدأ مونرو (الرئيس الأمريكي) وهو مبدأ الحياد الرامي على عدم اقتراب الاستعمار الأوروبي نحو أمريكا ومن جهتها أمريكا التزمت يومها بعدم التدخل في الشؤون الأوروبية لا من قريب ولا من بعيد. لكن هذه المعاهدة سرعان ما ألغيت وتبخرت مع مجيء الرئيس ويلسون. القائم على مبدأ استخدام القوة العسكرية ليأتي بعده روزفلت ويقضي على نفح هذه المبادىء ويعلنها ثقافة عسكرية صرفة تنص على استخدام اللغة العسكرية لكل من يقف أمام مصالح أمريكا والقائمة طبعا على صناعة الأحداث الدولية والتأثير فيها. فراحت أمريكا تنفث سموم تدخلها في شتى بقاع العالم بدءا من داكوتا الجنوبية عام 1870 ثم الأرجنتين ومن بعدها التشيلي وهايتي ثم بنما والفلبين وصولا إلى كوبا ومن بعد أفغانستان والعراق لنصل إلى عشرات التدخلات ومع أغلب الصراعات بحجة أن هذا البلد العريق هو حامي السلام في العالم. لكن بتعبير تشومسكي فإن90 بالمائة من الشعب الأمريكي يرفض سياسة حكومته. ومادامت هذه الإحصائيات دقيقة، فإن المجتمع يعي حجم المخاطر والمجازفات… لأنه يجر أبناءها نحو حروب مجانية قاتلة…لا فائدة تُرجى منها سوى أنها تعود بالنفع على ثقافة الاستقواء  واحتقار الآخر وتقزيمه …وليس هذا وفقط فأمريكا تتدخل حتى في الرياضة وما قضية الفيفا وما يجري في كواليسها الانتخابية إلا دليل ظاهر خفي زيادة على تدخلها السافر في كافة الانتخابات الرئاسية الخاصة بالدول. والحضور المستديم بعيون لا تنام ليل نهار في الشرق الأوسط…وكل هذا وذاك بتحالف مسائل يعرفها أغلب المحللين السياسيين وهي المال والسلاح والإعلام..مما شكل هذا الثلاثي القوة الجبروت واللب الجوهري لغلاف فضفاف رنان يسمي نفسه مرة بالنظام العالمي الجديد ومرة العولمة ومرات بأمريكا العظمى. وما هي في الأصل إلا عظمة في الدوس على حقوق الآخرين…. والسؤال الذي نريده جوهريا هل الشعب الأمريكي الذي طرح السؤال لماذا يكرهوننا يعرف بعضا من هذه الحقائق أم لا …فإن كان يعرف فإنه يذرف أمامنا دموع التماسيح ويتمسكن تمسكن الذئاب المقبوض عليها… وإن كان لا يعرف فهو بكل صراحة شعب مخدر بحقن حضارية بعيدة المدى مثل الصواريخ التي تصنعها بلده العابرة للقارات حتى إشعار آخر؟! …وهنا يمكن استنتاج بأن السؤال لماذا يكرهوننا ليس بسؤال شعبي محض بل هو من قلب السياسة الأمريكية نفسها كآلية دفاع عن النفس أمام الرأي العام الداخلي…ومحاولة بائخة لصناعة أعداء وهميين…أهمهم الإسلام…في محاولة للتشويهه والإنقاص من خطره ولأنه وحده من عجزت عن محو آثاره كما تزعم وتخطط …ووحده من سيطبق العدل والمساواة بين أبناء البشرية …وهو ما يضاد..الشراسة والأطماع اللتين تتنفس بهما رئتا…. الكونغرس يخنق فلسفته..منذ أن أُسس وظهر للوجود

 

شاعر وصحفي جزائري

djamilnacer@gmail.com*

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com