بعد عام عسير على الجزائريين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في قلب الحراك الشعبي السلمي
الشيخ .. كمال بوسنة
عرفت الجزائر ولادة “الحراك الشعبي السلمي” في الجمعة المباركة 22 فيفري 2019م الذي غيّر مسار الحياة السياسية في الجزائر، وكان من نتائج هذا التحوّل وإفرازاته تشكل نظام سياسي وانتخاب رئيس جديد بعد إجراء الانتخابات الرئاسية يوم 12 ديسمبر 2019م.
ورغم دخول الجزائر في أزمة سياسية بعد سقوط العهدة الخامسة بفضل الله ثم بسبب الحراك الشعبي السلمي، فقد جعل المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى جانب مناشطه وأعماله المعهودة أولى أولوياته الانخراط مع المخلصين من أبناء الوطن في أداء واجب البحث عن حلول لهذه الأزمة الخطيرة، والسعي لتحقيق طموحات شعبنا المشروعة وحقه في التغيير الشامل نحو الأفضل في كنف الوحدة والاستقرار والسلم.
ولم تكن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد عودتها بعيدة عن منهجها الوسطي المعتدل الذي يتبنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فكانت مواقفها ثابتة في دفاعها عن القيم والثوابت، ومقاومتها لكل أنواع الفساد المادي والمعنوي، والوقوف في مواجهة كل محاولات المساس بهوية الجزائر ومبادئها التي ضحى من أجلها الشهداء من سنة 1830م إلى سنة 1962م، وإن أعمال الجمعية ومناشطها وبياناتها ومقالات رجالها وخطبهم ومواقفهم وجهادهم الإصلاحي لخير شاهد وأكبر دليل على ما نقول وكل هذا مسجل على أرض الواقع، ومخطوط في الوثائق.
لقد حذرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جهارا نهارا، كما حذر غيرها، من الوضع السياسي الخطير الذي وصلت إليه الجزائر في العشريتين الأخيرتين بعد أن عم الفساد في مفاصل الدولة، وتضافرت جهود بعض أبناء الجزائر غير البررة لتحويل الوطن عن الوجهة التي رسمها نداء أول نوفمبر، ولم يثنها ما تعرضت له من تضيق وتهميش عن مواصلة تحركها في خدمة الوطن وأبنائه في أكثر من موقع، ودعت إلى ضرورة الإصلاح الشامل لبناء دولة المؤسسات التي لا تزول بزوال الرجال.
لقد كان الحراك الوطني السلمي الحضاري الذي انطلق في 22 فيفري 2019م نتيجة حتمية لما آلت إليه أوضاع البلاد من فساد كاد أن يغرق السفينة بما عليها، ولم تتوان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن الوقوف إلى جانب الحراك الشعبي السلمي ومساندة مطالبه للإصلاح والتغيير الشامل في بيان صدر عنها يوم 02 مارس 2019م الموافق لـ 25 جمادى الآخرة 1440هـ دعت فيه القائمين على الشأن الوطني إلى الإصغاء لرسالة الشعب جيدا، والتفاعل معها بجد وإيجابية والعدول عن العهدة الخامسة…ثم أصدرت بيانا في الأسبوع الثالث من الحراك الشعبي السلمي يوم 10 مارس 2019م الموافق لـ 03 رجب 1440هـ، أبانت عن موقفها القوي الرافض لدعوات العصيان المدني الذي دعت إليه جهات خفية لما له من آثار غير محمودة على الحراك الشعبي المسالم، ومغامرة غير محسوبة العواقب بالنظر لآثاره السيئة على الشعب نفسه فكانت الاستجابة كبيرة لندائها، كما أكدت على ضرورة إلغاء العهدة الخامسة وفتح حوار سياسي جاد، وتحرير وسائل الإعلام من الرقابة والتضييق، ورفض أي تدخل أجنبي في شؤون الجزائر الداخلية…
وفي يوم 12 مارس 2019م الموافق لـ 05 رجب 1440هـ أصدر المكتب الوطني تصريحا إعلاميا يؤكد فيه أن التغيير الحكومي الذي تم إحداثه لتصريف الأعمال، وتأجيل الانتخابات، وإلغاء العهدة الخامسة، هو جزء من مطالب الجماهير الشعبية ولكنه فاقد، من منظور جمعية العلماء، للجانب القانوني الذي نص عليه الدستور، وأكد على أن الندوة الوطنية التي دعت إليها السلطات في ذلك الوقت ينبغي أن تكون من عمل الحراك الشعبي الذي يدفع بالكفاءات الوطنية، ولاسيما الشبانية منها، إلى تكوين هذه الندوة التي يُوكل إليها بكل استقلالية وضع المشروع المستقبلي لدولتنا ووطننا، وتشكيل الحكومة الوطنية المشهود لها بالنزاهة والإخلاص.
ولم تقف جهود جمعية العلماء عند إصدار البيانات الداعمة للحراك الشعبي السلمي ومساندة مطالبه المشروعة، بل سعت قيادة الجمعية لإعداد مبادرة جامعة متكاملة للخروج من الأزمة تجمع وترأب الصدع، حيث التقت ببعض الفاعلين من الهيئات والشخصيات من المجتمع المدني في مقرها الوطني برئاسة الدكتور عمار طالبي، ثم تم بعد ذلك الاجتماع بالشّعب الولائية التي استجاب بعضها لدعوة المكتب الوطني من أجل التشاور وتوفير المعطيات وتدارس الوضع بالقبة صباح يوم 26 مارس 2019 الموافق لـ 19 رجب 2019هـ وفي مساء اليوم نفسه تم تنظيم اجتماع جمع جمعيات ونقابات وهيئات المجتمع المدني لصياغة مبادرة سُميت”الحل السلمي من أجل مستقبل الجزائر” برئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأشرف على هذا الاجتماع الدكتور عبد الرزاق قسوم بنادي الترقي، حيث ووقعوا على هذه المبادرة التي تمثل المجتمع المدني، واتفقوا في هذه الأرضية الأولية من أجل صيانة الحراك السلمي من أي انزلاق وحماية الجزائر من أي خطر على مجموعة من النقاط أهمها:
“الحفاظ على سلمية الحراك واستمراره حتى يحقق مطالبه المشروعة، واعتماد نداء أول نوفمبر مرجعية جامعة للجزائريين وعدم المساس بالثوابت، والمحافظ على الوحدة الوطنية، واحترام الشرعية الدستورية، والرجوع إلى الشعب لأنه مصدر السلطة، واستبعاد المفسدين من المسؤوليات، وحماية ثروات الوطن، وضرورة ضمان حياد المؤسسة العسكرية واحتفاظها بمهامها الدستورية“.
وشاركت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من خلال ممثليها الأستاذ علي بن زادي والأستاذ مختار بوناب في كل اللقاءات التشاورية التي نظمتها مع المجتمع المدني مع مطلع شهر مارس إلى غاية مطلع نهاية شهر ماي 2019م والتي تُوّجت بـ”الندوة الوطنية للتشاور لفعاليات المجتمع المدني” في 15 جوان 2019م حيث تمخض عنها توصيات منها التأكيد على ضرورة تعميم وتوسيع المشورة إلى المجتمع السياسي، وتم تنظيم ندوة موسعة بعد ذلك بعين البنيان حضرتها الأحزاب السياسية بالإضافة إلى الجمعيات ذات الطابع المدني.
ولم تغفل الجمعية عن الشق السياسي فكانت هناك لقاءات مع بعض رؤساء الأحزاب الذين زاروا مقر الجمعية، أو بدعوة من أحزاب المعارضة، وكان لهذه المشاركة وهذا التفاعل شقان:
فالشق الأول كان بحضور اللقاءات الدورية التي كانت تنظمها الأحزاب فيما بينها، فيما يعرف بـ”قوى التغيير” التي شملت أهم وأكبر أحزاب المعارضة، والمشاركة فيها بالنقاش والحوار.
والشق الثاني كان بزيارة قيادات الأحزاب، من أجل تبليغ رأي الجمعية ومواقفها مما يحدث في البلاد.
أما لقاءات الأحزاب فقد حضرت الجمعية منها ستة لقاءات، ثلاثة منها في اللقاءات العامة مع جميع الفعاليات التي كانت تحضّر للمبادرة السياسية، والثلاثة الباقية فقد كانت في إطار مناقشة وإعداد وثيقة أرضية عين البنيان بمقر حزب طلائع الحريات، وقد كان حضور الجمعية بالرأي قويا ومؤثرا في توجيه النقاش نحو أهمية التركيز على ضروريات المرحلة، منها استبعاد فكرة المجلس التأسيسي، والتأكيد على الحوار كمسلك حضاري، والحل السياسي الجاد بعيدا عن المزايدات الحزبية.
وفي الأخير شاركت الجمعية في لقاء منتدى الحوار في عين البنيان من خلال وفد من جمعية العلماء برئاسة الأستاذ التهامي مجوري وكان لها كلمة في المنتدى.
وإسهاما من جمعية العلماء لإيجاد حل يُخرج البلاد من أزمتها التي بلغت من الخطورة والتأزم، ما يتطلب التدخل العاجل، والسلمي، والتوافقي، فقد قامت في أواخر شهر ماي من سنة 2019م بمبادرة جمع علماء الجزائر من مختلف أقاليمها، وعلى تنوّع مدارسها الفقهية، والعقدية، بعيدا عن أي تكتّل سياسي أو حزبي، والتوجه إلى عموم الشعب الجزائري بمختلف أطيافه بالنداء الذي رسم خريطة للحل جاء فيه ما يلي:
أ- تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور، اللتين تجعلان من الشعب مصدرا للسلطة، وأن الاستفتاء الذي قدمه الشعب في مختلف جُمعات حراكه ليُغني عن أي استفتاء آخر.
ب- إسناد المرحلة الانتقالية، لمن يحظى بموافقة أغلبية الشعب لتولي مسؤولية قيادة الوطن، نحو انتخابات حرة ونزيهة، وذات مصداقية.
ورأى العلماء الموقعون على هذا النداء، بأن من سيتولى هذه المسؤولية، عليه أن يُقدم على اتخاذ الخطوات العاجلة التالية:
أولا: تعيين حكومة من ذوي الكفاءات العليا، وممن لم تثبت إدانتهم في أية فترة من فترات تاريخنا الوطني.
ثانيا: تعيين لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات المقبلة، وتنظيمها، ومراقبتها، من البداية إلى النهاية.
ثالثا: تنظيم ندوة حوار وطني شامل، لا تُقصي أحدا، تكون مهمتها وضع أسس معالم المستقبل، وفتح خارطة طريق لرسم سياسة جديدة تحصّن الوطن والمواطن، من الوقوع من جديد في التعفن السياسي، أو الاقتصادي، أو الثقافي، أو الاجتماعي، وإنقاذ الوطن من كل أنواع التبعيّة أو الولاء لغير الشعب، مستلهمة قيمها من قيم نداء أول نوفمبر ومبادئ العلماء الصالحين المصلحين.
رابعا: فتح المجال التنافسي أمام كل الشرفاء، النزهاء، الذين يتوقون إلى قيادة الوطن، بعزة وإباء، نحو الغد الأفضل، التزاما بالحفاظ على وحدة الوطن، وحماية مكاسبه، وتنمية مواهبه، وحسن استغلال طاقاته وموارده.
وكان الموقّعون على هذه المبادرة الآتية أسماؤهم:
– فضيلة الشيخ محمّد الطاهر آيت علجت، عميد علماء الجزائر والرئيس الشرفي للجمعية.
– فضيلة الدكتور عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
– فضيلة الشيخ بلحاج شريفي، عضو مجلس عمي السعيد الإباضي، وعضو حلقة العزابة بالقرارة.
– فضيلة الشيخ الدكتور سعيد شيبان، عالِم ومفكّر، ووزير سابق.
– فضيلة الشيخ عبد الحميد أبو القاسم، عضو مجلس عمي السعيد، وناظر رئيسي للأوقاف الإباضية.
– فضيلة الشيخ محمّد الصالح صديق، عالِم ومفكّر.
– فضيلة الشيخ محمّد المأمون القاسمي، شيخ زاوية الهامل ببوسعادة، ورئيس رابطة الزوايا العلمية الرحمانية.
– فضيلة الشيخ محمّد سعيد كعباش، رئيس حلقة العزابة بالعطف وادي ميزاب.
– فضيلة الشيخ محمّد الهادي الحسني، داعية ومفكّر.
– فضيلة الشيخ عبد القادر عثماني، شيخ الزاوية العلمية العثمانية بطولقة.
– فضيلة الشيخ محند أمقران آيت عيسى، من علماء زواوة.
– فضيلة الشيخ الحاج محند الطيّب، من علماء زواوة، مترجم القرآن الكريم إلى الأمازيغية.
– فضيلة الشيخ لخضر الدهمة، عالم وداعية (متليلي)، ذو التصانيف العديدة.
– فضيلة الشيخ لخضر الزاوي، عالِم وفقيه، المدية.
- فضيلة الشيخ التواتي بن التواتي، مفسّر وفقيه، الأغواط.
- فضيلة الشيخ الدكتور هشام بويجرة، إمام مختص في القراءات، سيدي بلعباس.
لقد تعددت المبادرات واختلفت رؤى الحل بين الجزائريين ولم يجتمعوا على مبادرة حل واحدة، ورأت قيادة الجمعية اجتهادا منها أن مصلحة الوطن تقتضي أن تُعيّن قائمة من أسماء شخصيات وطنية تتميز بعدم التحزب، والمعروفة بدفاعها عن الثوابت، أو عدم عدائها للثوابت الوطنية لقيادة الحوار الوطني، فأعلنت عن هذه الأسماء يوم 27 جويلية 2019م الموافق لـ24 ذي القعدة 1440هـ وهي كالتالي مع حفظ الألقاب: “أحمد طالب الإبراهيمي، وعبد العزيز رحابي، وكريم يونس، وعبد الرزاق قسوم، ومحمد الهادي الحسني، ورشيد بن يلس، ومصطفى بوشاشي، وشريف قطوش، وفاطمة الزهرة بن براهم، وصالح حكيمي، وعلي بن محمد، وأحمد بن نعمان، والسعيد بوشعير، والسعيد بويزري، وسامية بن قوية”.
وحين عينت السلطات اللجنة الوطنية للحوار والوساطة بقيادة السيد كريم بن يونس رأت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وهي المؤمنة بمبدإ الحوار كأسلوب حضاري والوسيلة المثلى للخروج من الأزمة أن نجاحه -أي الحوار- مرهون بتوفير الأجواء المساعدة على إنجاحه ومن ذلك-كما جاء في تصريح إعلامي للجمعية صادر في يوم 04 أوت 2019م الموافق لـ03 ذي الحجة 1440هـ، “حماية الحراك الشعبي ورفع التضييق عنه والاستجابة لمطالبه المشروعة”، ولهذا أعلنت الجمعية أنها غير حريصة على أن تكون ممثلة في هذه الهيئة، ولكنها تركت الباب مفتوحا للتواصل والتناصح… ولأن جمعية العلماء لم تكن ترى المشاركة في أي مسار للحوار والحل غاية في حد ذاته وإنما تنطلق في تحركاتها ومواقفها من حرصها على حماية الوطن من أي خطر يتهدده والحفاظ على وحدته، أصدرت بيانا يوم 22 أوت 2019م الموافق لـ 21 ذي الحجة 1440هـ تعبر فيه عن قلقها الشديد لما آل إليه الوضع وانسداده خاصة بعد التطمينات التي قدمها منسق لجنة الحوار والوساطة السيد كريم يونس شخصيا للجمعية عبر اتصاله الهاتفي بالدكتور عبد الرزاق قسوم الذي دُعي للمشاركة في اللجنة كشخصية وطنية ولكن الدكتور قسوم بعد التشاور مع قيادة الجمعية رأوا عدم قبول العضوية مع ترك الأبواب مفتوحة للحوار…
وفي صبيحة يوم الخميس 05 محرم 1441هـ الموافق لـ 05 سبتمبر 2019م استقبل الدكتور عبد الرزاق قسوم وأعضاء من قيادة الجمعية بطلب من “لجنة الحوار والوساطة” منسقَها السيد كريم يونس ووفدا مرافقا له، وقد استقبلت جمعية العلماء لجنة الحوار والوساطة للأسباب التالية:
- لجنة الحوار والوساطة طلبت رسميا لقاء جمعية العلماء المسلمين لتقدم لها عرضا وافيا عن خططها ومشاريعها لإيجاد حلول للأزمة التي تعيشها الجزائر، ولاشك أن من أدبياتنا الإسلامية، وأعرافنا الجزائرية، أنه ليس من اللائق رد من يطلب الضيافة أو سأل اللقاء، فأبواب جمعية العلماء كانت وستظل دائما مفتوحة لكل الجزائريين.
- جمعية العلماء هيئة مستقلة سيدة في بيان مواقفها واتخاذ قراراتها، وهي غير ملزمة بقرارات لجنة الحوار والوساطة، ولكن هذا لا يمنع من أن تنخرط في كل مشروع يسعى لخدمة البلاد والعباد، ويحافظ على الثوابت الوطنية.
- جمعية العلماء التي ساندت الحراك الشعبي ودافعت عن مطالبه المشروعة من خلال بياناتها وافتتاحيات جريدتها، ومشاركة رجالها ونسائها وشبابها، رأت أن في لقائها بلجنة الحوار والوساطة، التي التقت عددا كبيرا من الأحزاب والجمعيات الوطنية والمحلية والشخصيات الوطنية، فرصة للتعرف على ما وصلت إليه اللجنة من جهة، وفرصة أخرى لتبلّغ، مباشرة وبكل صراحة وقوة، ما تقتنع به وتراه بحق يخدم مصلحة الوطن في حاضره ومستقبله، ويجنبه المزالق والفتن.
وفي هذا اللقاء العلني بلَّغت قيادة الجمعية على لسان رئيسها الدكتور عبد الرزاق قسوم لجنة الحوار والوساطة، ومن خلالها الجهات الرسمية، مواقفها المبدئية تجاه عدة قضايا منها:
- أن التمسك بالثوابت والحفاظ عليها من الأمور التي لا يجوز التنازل عنها أبدا، وأنه لابد من الاستفادة من المرجعيات الوطنية.
- أن الحفاظ على الوحدة الوطنية والوقوف أمام كل محاولة لتقسيم الوطن من طرف دعاة التفرقة واجب وطني، وفريضة شرعية.
- أن الجمعية تؤمن بالحوار بين جميع مكونات الوطن الواحد للتوافق على حلول تحقق آمال الشعب الجزائري.
- أن نجاح المسعى، وتحقيق الحل الجذري لابد أن تسبقه تهيئة وإعداد، وهذا يقتضي اتخاذ إجراءات تهدئة، كإطلاق سراح بعض المسجونين من الشباب، وأصحاب الرأي، وتكوين حكومة وحدة وطنية ذات مصداقية، وتوفير المناخ السياسي الذي يساعد على الوصول إلى ما يصبو إليه الشعب في حراكه، ويحقق مطالبه الشرعية.
- أنه من الضروري توفير كل الضمانات من أجل انتخابات رئاسية مستقلة شفافة، وفي مقدمتها إنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية، والإشراف عليها ومراقبتها.
- أن احترام الدستور ضروري في عملية تحقيق التغيير المنشود الذي يريده الحراك الشعبي.
- أنه من الواجب على الجميع العمل على أن يظل الحراك الشعبي سلميا إلى أن يبلغ أهدافه الشرعية.
- أن جمعية العلماء ستقف في وجه كل محاولة تسعى للالتفاف على المطالب الشرعية للحراك الشعبي، أو الانـحراف به، وستكون سندا قويا لكل عمل وطني بناء، وصمام الأمان للشعب والوطن.
- أنه لابد من الإسراع بالعودة إلى الحياة الطبيعية، والشرعية السياسية لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد من أجل ضمان سير متزن، وذلك من خلال مشروع وطني شامل في جميع المجالات.
وقد نشط الدكتور عبد الرزاق قسوم مباشرة بعد انتهاء اللقاء ندوة صحفية أكد فيها على النقاط السابقة وركز على ضرورة الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي السلمي المشروعة.
بعد هذا اللقاء تلقت جمعية العلماء مشروع القانون العضوي للسلطة المستقلة وقد قام المكتب الوطني بتكليف بعض أعضائه المتخصصين في القانون بدراسته لإبداء الرأي فيه، ودرس المكتب الوطني دعوة تلقتها الجمعية للانضمام إلى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وبعد مناقشة مستفيضة تم تغليب مصلحة المشاركة فيها من أجل تجسيد اختيار الشعب الجزائري وتحقيق مطالبه والخروج من الأزمة السياسية بانتخاب رئيس شرعي تسلم له مقاليد الحكم، على أن الجمعية تحتفظ بحق الانسحاب إن ثبت لديها أي إخلال بما هو وارد في القانون العضوي للسلطة المستقلة وقد أعلنت ذلك في بيان صدر عنها في 15 سبتمبر 2019م الموافق لـ 16 محرم 1441هـ وتم انتخاب الأستاذ علي بن زادي ليكون ممثل الجمعية في السلطة الوطنية.
وقد قام المكتب الوطني بعقد اجتماع تشاوري مع رؤساء الشعب الولائية حول الوضع الوطني بنادي ترقي بالعاصمة يوم 05 أكتوبر2019م الموافق لـ 06 صفر 1441هـ تحت إشراف الدكتور عبد الرزاق قسوم من باب توسيع دائرة الاستشارة والاستماع للرأي والرأي الآخر وخلص الاجتماع إلى أن جمعية العلماء تضع أمن الجزائر واستقرارها فوق كل اعتبار وأن انتخاب رئيس للجزائر بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب هو مطلب الجميع وأمر ضروري مع ضمان نزاهة الانتخابات وإبعاد المكروهين وتشجيع الأمة على انتخاب رئيس يشرفها مع فتح مجال الحريات وتشكيل لجان حرة موثوقة لتشجيع الأمة على انتخاب الكفاءات التي ترضاها، ورفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي وتفادي رفع شعارات دعاة الفتنة والاستفزاز والتخوين…
ثم عقد المكتب الوطني لقاء موسعا إلى الهيئة الاستشارية العليا للجمعية بتاريخ 10 ربيع الأول 1441ه الموافق لـ07 نوفمبر 2019م بنادي الترقي بالعاصمة لدراسة الواقع الوطني ومستجداته وبعد نقاش مستفيض وتباحث موسع أكد المجتمعون في بيانهم الذي صدر بعد نهاية الاجتماع على واجب المحافظة على الوطن في أمنه واستقراره، ودعوا الجزائريين للتآزر والترابط وأن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية من أجل المصلحة العليا للوطن، وأكدوا أن الجمعية تقف مع المطالب الشرعية التي رفعها الحراك السلمي الشعبي الوطني وحذروا في الوقت نفسه من كل محاولات تشويهه أو تحريفه لأغراض فئوية أو جهوية أو إيديولوجية، ورفض أي محاولة للتدخل الأجنبي في القضايا الداخلية للوطن.
وفي سياق متابعاته للشأن العام، وفي إطار لقاءاته التقييمية المنتظمة، عقد المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين اجتماعا يوم الخميس 8 ربيع الأول 1440 هـ الموافق لـ5 ديسمبر 2019م بمقر الجمعية بالعاصمة، وقد تداول المجتمعون في لقائهم الشؤون المختلفة التي تضمنها جدول أعمال الاجتماع، ومنها “الشأن الوطني” وعلى رأسه مسألة “الرئاسيات“.
وبعد تدارس معمّق، ونقاش صريح مسؤول، انتهى الاجتماع إلى اقتراح نداء توجّه به المكتب الوطني لجمعية العلماء إلى الأمة حيث أشار فيه إلى حرص الجمعيّة على حماية الوطن ووحدته، ونبّه إلى أنّ الأزمة، بقدر ما هي اجتماعية اقتصادية، فهي أيضا ثقافيّة حضاريّة؛ وأنّ وقودها نوازع الاستبداد والتسلّط، من جهة، ونوازع الاحتجاج والتمرّد، من جهة أخرى، وقد حذّرت الجمعية، في ندائها الصادر عن مكتبها، من مغبّة ما تتعرّض له القيم الوطنيّة من تخريب ممنهج من قِبَلِ دعاة التّغريب والانفصال وغيرهم، تحت مبرّرات مختلفة، مشيرة، وبأكثر من أسلوب، إلى احتماليّة الوصول إلى وضع لا تُحمد عقباه، إن لم يبادر أصحاب القرار باتّخاذ الإجراءات الإصلاحيّة التي تحفظ للأمّة أمنها واستقرارها…وقد أجمل النداء معالم منهج الجمعية في تعاملها مع الواقع الوطني وتجاذباته فيما يلي:
– موافقة المواقف المتخذة لمقرّرات الشرع.
– مراعاة المقاصد والمآلات؛ آخذة بعين الاعتبار كون المتغيّرات من أحوال النّاس هو الغالب على حياتهم.
– الاسترشاد بمبادئ الجمعيّة وأصولها لاسيما في الجانب الثّابت منها.
– العمل بقاعدة المصلحة النّاقصة خير من المفسدة، والقليل الموجود خير من الكثير المفقود.
– اعتماد منهج التدرّج؛ الذي تقتضيه سنّة التّغيير.
– الاستفادة من التجارب الماضية المختلفة المشابهة.
– مراعاة الواقع الإقليمي، والواقع الدّولي.
– توخّي الواقعيّة والموضوعيّة.
– تقديم العقل على العاطفة.
– انتهاج مبدأ التسامح والابتعاد عن سياسة الإقصاء.
– اعتماد الشّورى في اتخاذ القرار، وتحديد الموقف.
وأكدت الجمعية في ندائها إلى الأمة الجزائرية بخصوص الوضع الجزائري ومنه الانتخابات من حيث القبول والرفض والمشاركة والمقاطعة أن “الاختلاف في المواقف حقّ، وأن احترام الجزائريين بعضهم لبعض واجب، بعيدا عن كل تخوين أو تشكيك”.
وها نحن اليوم نعيش مرحلة أخرى من عمر الوطن تقتضي منا جميعا المزيد من الحكمة واليقظة والثقة والتعاون والتوافق حتى لا تغرق السفينة بالجميع، وجمعية العلماء على العهد ما غيّرت وما بدّلت، وستبقى دائما-بإذن الله- صمام أمان الجزائر واستقرارها وحارسة القيم والثوابت فيها، تقول كلمة الحق غير خوارة لمن ظلم وتجبر، وترشد وتنصح بمسؤولية من أخطأ وتهور.
الأمين العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين