أم الصحف في عددها الألف
أ. أمنة فداني
لكل أمة من الأمم في فترة من فترات حياتها تبعث الأقدار برجال مصلحين لإنارة دربها ويشكلون الخط الدفاعي الأول لها، هؤلاء الرجال لا يملكون شيئا من حطام الدنيا إلا العلم والقلم، فهم يدركون أن من خسر هذين المجالين خسر جوهره وأغنى ما عنده، فهم بذلك فقهوا دورهم في الوجود، فالحضارات الراقية تسيدت العالم بفكر الإنسان وممارسته الإيجابية.
إن وجود أعداد كبيرة من الأميين في مجتمع ما لا يخلق مشكلة تعليمية فحسب بل أنه يخلق مشكلة اجتماعية أيضا.
تحيي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذكرى المئوية لجريدتها الغراء، جريدة البصائر الوطنية في هذا الشهر المبارك التي تعتبر لسان حالها.
الصحافة ليست عبارة عن مطابع وورق لكنها عبارة عن أشخاص ذوي تكوين خاص وكفاءة عالية، باعتبار الكلمة المكتوبة والمقروءة مفتاح الفرد إلى المجتمع كافة التربة أم لكل زرع لا تزدهر الحياة إلا فوقها، ولا يفيض خير إلا من بطنها، ومن فضائل أم الصحف جريدة “البصائر” إنها حقل مبارك تتسع تربته لاستيعاب كل غرس ينفع الإنسان، فقد أقامت الجمعية برنامجها الإصلاحي التوجيهي على إصدار الصحف والمجلات: السنة، المنتقد، الشهاب، البصائر، وهذا نظرا لافتقار القارئ الجزائري إلى أبسط وسائل التثقيف، حيث قدموا شيئا جديدا ينقي الأمة ويثير الحيوية والأفكار والنشاط في الآخرين.
لقد سال في هذه الجريدة المباركة أم الصحف، وما زال سائلا فيها حبر غزير لعلماء ومفكرين ومصلحين أجلاء منهم من غادر إلى الدار الباقية ومنهم من ما زال على قيد الحياة أطال الله في عمرهم، سعوا من خلال هذا الفضاء إلى محاربة محاولات الفسخ والتشويه التي كان يريد الاستعمار إفشاءها في تلك الحقبة الزمنية بين أفراد المجتمع الجزائري المحافظ دينا وثقافة وحضارة، فهي نموذج جدير بأن يحتذى بما لها من فضل كبير على هذا الوطن العزيز في نشر الوعي والتوجيه السليم لأبنائه في وقت الشدة والحاجة خدمة للصالح العام، بخط أخلاقي تنويري سارت وتسير عليه بجيل من المصلحين وعلماء أكفاء كانوا عتادا وعدة، فكانت أمانة توضع من يد لأخرى.
إنها قيمة فنية من تاريخ عريق في النزاهة والموضوعية والأمانة العلمية، وقد أخذت قسطا ومكانة في الصدارة العلمية والمنهجية الفكرية المتقدمة في الطرح والتحليل بأرفع مستوى وأعمق معنى وأرشف أسلوب، فقد كانت مدرسة نموذجية اتسعت واستعابت الجميع في مقاعدها، فلنعرف الفضل لذويه والصرح لبانيه.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.