قضايا و آراء

أما آن لإرهاب الطّرقات أن يتوقّف!/ أ. محمّد بن حامد بومشرة السّنوسي *

 قال الله تعالى علوا كبيرا:{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[سورة البقرة: 195].

إنّ النّفس التي بين جَنْبَيْنَا أمانة، أودعها الله تعالى فينا، أمرنا بالحفاظ على نفوسنا ونفوس غيرنا، وأن نسعى لإنقاذها من الموت، وأن نجتهد لإحيائها، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[سورة المائدة: 32].

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وحرّم عليه الظّلم والقتل لنفسه أو لغيره. خلقنا الله تعالى للبناء والإعمار، والحياة السّعيدة حتّى نلقاه وهو سبحانه وتعالى راضٍ عنّا لحفاظنا على هذه النّفس؛ قال الله تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}[سورة الفجر:27-30].

فإن لم نعتن بها ولم نحافظ عليها تميّعت وأفلست وفسدت وضاعت، ومصيرها جهنّم، لأنّها نفس سيّئة الطّباع وعدوانية، فهي لا تعرف إلّا الشّرّ والغلط؛ قليلا ما تراجع ما عملت وتلوم ما فعلت وتتوب، ثمّ تنجو. هذه النّفس لا تنجو من آلام الدّنيا، وعقاب الآخرة إلّا إذا اتّبعت القرآن العظيم، والسّنّة النّبوية المطهّرة الشّريفة.

وهذه النّفس التي تصاحب الإنسان منذ ولادته حتّى وفاته، تعيش مراحل نموّه في صباه وفي طفولته، ثمّ في شبابه وفي كهولته وفي شيخوخته؛ هذه النّفس إن لم تلجمها تأخذك نحو المهالك، وإن لم تفطمها تكبر على حبّ الرّضاعة، قال الإمام البوصيري:

والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على *** حبّ الرّضاع، وإن تفطمه ينفطم

وراعها وهي في الأعمال سائمة *** وإن هي استحلّت المرعى فلا تسم

كم حسّنت لدّة للمرء قاتلة *** من حيث لم يدر أنّ السّمّ في الدّسم

وخالف النّفس والشّيطان واعصمها *** وإن هما محضاك النّصح فاتّهم

وها هي ذي النّفس البشرية تتورّط في حوادث مرور مروّعة، سببها السّرعة المفرطة، والسّباق مع الغير، أو مسابقة الزّمن؛ ينتج عنها الموت الجماعي أو الإعاقات تجعل الإنسان لا يقدر على الحركة مهمّشا في حياته.

هذه الحوادث في الطّرقات المرعبة يتزايد عددها، فنقرأ عنها في الجرائد اليومية، ونشاهدها بالصّوت والصّورة في قنواتنا تحصد الأخضر واليابس. متى ينتهي هذا النّوع من الإرهاب، إرهاب الطّرقات يُدمع العين ويُدمي القلب؛ أما آن لإرهاب الطّرقات أن يتوقّف؟!

أيّها السّائق اتقّ الله وأنت بالمركب؛ أيّ مركب كان‘ في الطّريق باللّيل أو النّهار. فهناك قانون المرور يجب عليك احترامه وأخذ الحذر والحِيطة، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين:{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً}[سورة النّساء: 70].

إنّ النّفس عند الله عزيزةٌ وكريمةٌ، وخاصّة نفس المؤمن فإنّها أعزّ وأكرم عند الله سبحانه وتعالى من الكون كلّه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ينظر إلى الكعبة الشّريفة: ” مرحبًا بِكِ من بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكِ، وأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! ولَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عندَ اللهِ مِنْكِ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنْكِ واحدةً، وحَرَّمَ مِنَ المُؤْمِنِ ثَلاثًا: دَمَهُ، ومالَهُ، وأنْ يُظَنَّ بهِ ظَنَّ السَّوْءِ“. -عن عبد الله بن عبّاس، المحدّث: الألباني: السّلسلة الصّحيحة: الصّفحة/ الرّقم:3420 .

خلاصة حكم المحدّث: إسناده حسن رجاله ثقات- فلا تجعلوا من أنفسكم أيّها المؤمنون أسوأ خلق، وأنذل قوم، وأرخس نفس عند كلّ حالة تكونون عليها.

وحسب نسبة الحوادث المعلن عنها وطنيا فإنّنا نحتلّ المراتب الأولى في حوادث الطّرقات حين جعلنا من كلّ أنواع النّقل نقمة، وليس نعمة. كلُّنا مسؤولون راجلين وراكبين، حين يركن السّائق سيّارته على الرّصيف، وحين يمشي الرّاجل في الطّريق، أو حين يعبر الطّريق من رصيف لآخر مهملا الممرات، ليتسبّب كلاهما في القتل الخطأ أو القتل العمدي حين لا يعمل بقانون المرور عمدا كالأضواء وإشارات الحذر وإشارات الأولويات! ناهيك عن السّائق شارب أنواع المخدّرات أو المخمور أو المشغول بالهاتف المحمول، أو السّاهي، والمفرط في السّرعة.

فمن تعمّد مخالفة قوانين المرور وقواعد السّير، وتسبّب في قتل الأنفس البريئة يُعدُّ في شريعة الله عزّ وجلّ قاتلا متعمّدا؛ والقاتل المتعمّد في نار جهنّم يوم القيامة مع غضب الله تعالى واللّعنة والعذاب العظيم، قال الله تعالى وهو أحكم الحاكمين:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [سورة النّساء: 93].

وأمّا القتل الخطأ فحكمه في قوله تعالى وهو أصدق القائلين:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً}92}[سورة النّساء: 92].

يدفع الدِّيةَ، وهي مبلغ ماليٌّ يجمعه أهل القاتل خطأً لأهل الميّت، وصيامَ شهرين متتابعين، قال الله جلّ جلاله:﴿…فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾[سورة النّساء: 92].

ولعلاج الظّاهرة الخطيرة أو على الأقل التّخفيف منها، وجب تحديد المسؤوليات لمثل هذه الحوادث في الطّرقات باللّيل والنّهار، لعلّنا نشارك في تخفيف من حوادث المرور، راجين في ذلك الأجر والثّواب.

أوّلا: على السّائق، قبل إقلاعه أن يراقب مركبته من حيث الأضواء والغمّازات، والمكابح أي الفرامل، ثمّ هواء العجلات الخمس، وكلّ ما يتبع صلاحيات مركبته، مع احترام إشارات المرور كلّ إشارات المرور؛ مستعينا بالله تعالى ودعاء السّفر، ويجعل نفسه أثناء السّياقة من عباد الرّحمن الذين قال الله تعالى فيهم:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}[سورة الفرقان: 63].

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: “الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُم الرَّحْمَن، اِرْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُم مَنْ فِي السَّمَاءِ“. –رواه أبو داود (4941)، والتّرمذي: (1924)، وأحمد (160/2) (6494)، والحاكم: (175/4) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال التّرمذي: حسن صحيح، وصحّحه العراقي في [الأربعون العشارية] ص:125-.

ثانيا: لا تُسلّم رخصة السّياقة إلّا بعد التّأكّد من سلامة السّائق عقليا وبصريا وجسديا، وقدرته على التّحكّم في السّياقة، وخاصّة سائقي سيارة الأجرة والحافلات في جميع الفصول الأربعة ليلا ونهارا.

ثالثا: تحديد المسؤولية التّامّة لمن يضع إشارات المرور في مكانها الظّاهرة للعيان، وخاصّة دور الخبراء المتخصّصين في ضبط وتحديد السّرعة على لافتات وإشارات المرور.

رابعا: قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، في كلمته المشهرة: “لو عثرت بغلة في طريق العراق، لسألني الله عنها لِمَ لَمْ تُصلح لها الطّريق يا عمر”؟ على كلّ مسؤول أن يشعر بالمسؤولية في تصليح الطّرقات من الحفر؛ وتوسيعها وتزفيتها، وذلك لأمن السّائقين والرّاكبين والرّاجلين… وإلّا فالكلّ مشارك في جرائم حوادث المرور، ونسأل الله تعالى السّلامة والعافية لأنّ الأمر جلل والخطب ليس بالهزل؛ إنّها أرواح العباد يجب أن نتعاون للحفاظ عليها؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، ألَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ“. –الرّاوي: أبو بكرة نفيع بن الحارث، صحيح البخاري ص/ر: 7078، خلاصة حكم الحديث: صحيح- والله المستعان.

 

  • تلمسان: الجمعة 06 جمادى الثّانية 1441 هجرية، الموافق لـ: 31 يناير 2020.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com