الدّرس الافتتاحي/ الأستاذ: إبراهيم بن ساسي

إلى كلّ غيور مخلص في هذا الوطن
إلى مسؤولي وإطارات التّربيّة والتّعليم
أن اتّقوا الله في ناشئتنا… فعنده وحده يكون الحساب
إلى كلّ غيور مخلص في هذا الوطن
أهدي هذا العطاء.
خرجت من المسجد بعد صلاة الصّبح، فلحق بي أحد جيراني من الأساتذة وقال: اصبر عليّ يا أخي أعيد عليك مناما رأيته منذ ساعة أو أقل، فقلت: خيرا إن شاء الله، أسمعك تفضّل، فقال رأيت فيما يرى النّائم أنّي كلّفت بدرس الافتتاح في ثانويّتنا اليوم.
وقد أشرفت عليه معالي مستشارة الوزيرة وبعض الإطارات السّاميّة في الوزارة، وسلطاتنا المحليّة وجمع من الأولياء والضّيوف فكان الحفل بهيجا حيث توسّطت السّيدة المستشارة المجلس بحجابها الفاخر وخمارها البنّيّ السّاحر الّذي زيّنته عبارة باسمك اللّهمّ، وقد نسجت بخيوط ذهبيّة برّاقة، وقبيل انطلاق الحفل وزّعت على الضّيوف مناديل عنقيّة بلون العلم الجزائريّ كتبت البسملة على حافّتي طرفيها، وكالعادة بدأ الحفل بالقرآن الكريم والنّشيد الوطنيّ كاملا غير منقوص، وبعد كلمات ترحيبيّة قصيرة كانت الكلمة للسّيّدة المستشارة الّتي أبهرت الحاضرين بلغة عربيّة فصيحة وبليغة، افتتحتها بالبسملة الكاملة، ثم أثنت على دور موّظّفي وعمّال القطاع ومساهمتهم في النّجاح الباهر المحقّق في الموسم الماضي، وفي نهاية كلمتها المسترسلة أوصت بمتقاعدي قطاع التّربية وضرورة إعطائهم كلّ الحقوق على غرار متقاعدي قطاعات حسّاسة أخرى، بعدها كان الدّرس الافتتاحي الّذي حمل هذا الموسم موضوع البسملة وأهميّتها في طلب العلم والمعارف فقلت: بسم الله الرحمن الرّحيم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله ولآله وصحبه ومن والاه وكان لابدّ من شكر خاصّ للسيّدة مستشارة الوزيرة، أوّلا لاختيّارها مدينة ورقلة محطّة لافتتاح الموسم الدّراسي، وثانيّا لاختيّار موضوع البسملة، وهي منقبة أخرى تضاف لمناقب طيّبة لم يوّفق لها كثير من قبل، ثمّ بدأت الدّرس بإشكال كما تنصّ عليه الطّرق البيداغوجيّة الحديثة، فسألت الطّلبة قائلا: يقول أهل العلم: إشراق النّهاية من إشراق البداية، فبم تريدون أن تشرق بدايتكم أيّها الأبناء؟ فارتفعت أصواتهم عاليّة تشقّ الآفاق بإيقاع موسيقي واحد: بسم الله الرحمن الرّحيم، فشجّعتني هذه الإجابة الجماعيّة فقلت: لماذا البسملة؟ فقام خالد وقال: الاستعاذة يا أستاذي فرار والبسملة قرار، فقاطعته قائلا: ما دخل الاستعاذة هنا؟ وهل في القاعة من يستعاذ منه؟ فقال بثغره الباسم: أنت تدرك يا أستاذي أنّ الاستعاذة… استعاذة بالله من الشّيطان الرّجيم وأنّ البسملة… بسم الله الرحمن الرّحيم استقرار وسكينة في حضرة الملك الجبّار سبحانه وتعالى، فقلت : صدقت، وبعد أن بيّنت فضل البسملة، سألت الطّلبة ثانيّة: نحن في هذه القاعة، لماذا ننطق بالبسملة كلّ مرّة؟ ألا تكفي هذه اللّوحات والمعلّقات الّتي خطّت فيها البسملة بخط كوفي ورقعي رائع جميل؟ فقامت كنزة وقالت بصوت هادئ لطيف: كلّما تلوت قول ملكة سبأ بلقيس في كتاب الله {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أدركت سرّ البسملة وفضلها، فمن تكريم الله لهذا الكتاب الخالد افتتاحه بالبسملة فأثنيت على هذه الإجابة الموّفّقة وأردفت قائلا: لذا وجب أن تكون البسملة في مقدّمة كلامنا وكتبنا وكتاباتنا ومقالاتنا، لأنّ أي أمر ذي بال لا يفتتح باسم الله فهو أبتر مقطوع، كما أكّدت ذلك النّصوص وإذا كان مشركو مكّة قد قبلوا يوم كتابتهم صلح الحديبيّة مع رسول الله إدراج باسمك اللهم فكيف لا نرضى بـ “بسم الله الرحمن الرّحيم” تزيّن كلامنا وكتبنا ومجالسنا؟ وهنا تدخّلت المستشارة قائلة: بعد بسم الله الرحمن الرّحيم لقد راقني هذا الحوار الإيجابي بين الأستاذ وطلبته، وهو ما نهدف إليه في منظومتنا التّربويّة المتجدّدة كما ترون، ثمّ استرسلت في ذكر بعض التّوصيّات والتّوجيهات، وكان بودّي أن أتجرأ فأسألها عن عبارة باسمك اللهمّ الّتي تزيّن خمارها لولا نهاية الحلم الّذي قطعه صوت المؤذّن: الصّلاة خير من النّوم ــــ الصّلاة خير من النّوم ، فتنهّدت وقلت للأستاذ: هذا الحلم دليل على ما يختلج في صدرك ويسترعي اهتمامك، فموضوع حذف البسملة من الكتب والمراجع المدرسيّة يتداوله الكثيرون هذه الأيّام، ولا غرابة في ذلك، فإذا غاب الحقّ ظهرت للباطل ألويّة ورايات فهي حلقات يتبع بعضها بعضا، ولكن، ما موضوع درسكم الافتتاحي هذه السّنة؟ فقال: الموّاطنة البيئيّة، فقلت: له حاول أن تسقط منامك على الواقع، وتظلّ رافعا لهذه الرّاية المقدّسة، وآمل أن يجد المربّون من يعضّدهم لتربيّة ناشئتنا على هذه الثّوابت، في بيئة يتنفّس فيها أبناء جيلنا عبق القيّم وأريج الأخلاق، بعيدا عن كلّ تلوّث للبرّ والبحر وسمّ الأفاعي القريبة والبعيدة، فالمسؤوليّة مسؤوليّة الجميع -أسر ووسائل إعلام وخطباء ومدرّسون – علّموا أبناءنا البسملة والحمدلة ولا تلتفتوا لهذه المهزلة، وبشيء من صّبر وصّدق وصّمود نرقى خير منزلة.
ولتصغ معي لهذا الحادي
في ضميــــــــري دائما صــــــوت النّبي
أمرا: جـاهــــــد، وكــابد، واتعــــــــــب
صائحا: غالب، وطالب، وادأب
صارخـــــــــا: كن دائمـــــا حـــــــرّا أبـــــــــي
وصلّ اللهمّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وآله وصحبه أجمعين ومن اقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدّين.