قرار البسملة والفضيحة/ بقلم: الدكتور إبراهيم بودوخة *
سنكونُ أغبياءَ حتى النَّخاع إذا اعتقدنا لحظةً أنَّ مشاريعَ بن غبريط التغريبية في وزارة التربية ما ظهر منها وما بطن، ما أُعلن منها وما يعدُّ للأيام هي بعيدة عن نظرِ ومتابعة وموافقة رئاسةِ الدولة والحكومةِ وكلِّ أصحاب القرار في البلد.
كل ما يجري على عيونهم يسري، وكل طمسٍ لقيمة من قيم الأمة ليس عبثاً ولا لهواً وإنما هي سياسةٌ محكمة، وعملية مدبَّرةٌ، تستهدف إضعاف الأجيال، وتخريب الديار، واللعب بأم الوزارات – وزارة التربية التي رأس الوزارات في العالم المتحضر.
في كل عام وفي كل مناسبة، وعند كل إعلان، وفي كل مؤتمر ومخاطبة تجد عند وزيرتنا البريئة من الجرأةِ والروعةِ والرجولةِ في أفعالها وقراراتها وغمزها ولمزها لكل ما له علاقة بالتربية والقيم والأخلاق.
إنِّي على يقين أنَّ دوائرَ في البلد عالية المستوى والمقام، وأخرى في فرنسا ومثيلاتها لتقيمُ أفراحاً وليالٍ من السعادة والخمارة والابتهاج عند كل قرارٍ جديد تصدره الوزيرة فيه طمس لهويتنا، وإسقاط لقيمنا وذبح بطيء لشريان من شرايين ديننا ومبادئنا، وفي المقابل لا تثير هكذا قرارات غضب الأمة ولا نخوتها ولا ترفع يدها بشيء..
قرارُ البسملةِ لم يكن فضيحةً للوزيرة أو رئيس الحكومة أو من فوقه من أصحاب القرار ولا غيرهم..
قرارُ البسملة هو فضيحةٌ لمن جعلوا على عاتقهم الدفاع عن قيم الأمة ودينها ولغتها من أمثال: الأحزاب الإسلامية والوطنية، والجمعيات العلمية والوطنية التي تفتخر بالتاريخ والمرجعية والخيرية في الأمة.
ماذا فعلوا؟، وماذا قرروا؟…. لمن تعيشوا أنتم؟
ماذا لو كان بعض شيوخ الأمة وعلمائها أحياء كالشيخ عبد الحميد بن باديس، وعبد اللطيف سلطاني، وأحمد سحنون، ومحفوظ نحناح وغيرهم من هؤلاء الكبار..يعني لو كانوا على حياة لجالسوا بن غبريط وضاحكوها وشربوا عندها قهوة بالحليب يا سبحان الله.
إنَّ امرأة واحدة عارية قد عرّت كل الأسماء والألقاب والكتّاب والخطّاب لأنهم عاجزون أمامها، بل إنّ من الأساتذة من يبرر فعلها، وينصح بعدم تعظيم الأمور أكثر مما يلزم.
قرارُ البسملة تشويهٌ وفَضحٌ لسادة التربية ورجال التعليم في المدارس والمؤسسات كيف كانوا بالأمس؟ وكيف أصبحوا اليوم؟ فلّما كان الأمر يتعلق بالمطالب المادية كانت الكلمة مجموعة، والصيحة مسموعة، والحركة مدفوعة..وأما وقد تعلق الأمرُ بالقلوبِ لا بالجيوب، وبالمبادئ لا الماديات فلا غضب، ولا دعوة،..لا مانع من التعليم وإن فقد التربية..قرارات الوزيرة المتتالية والمتعلّقة بصميم التربية والأخلاق والسلوك والدين واللغة لهي المحك الجديد الشديد لكل رجال التعليم في البلد، وموضع الاختبار العسير في ميدانهم.
قرارُ البسملة فضيحةٌ للأمة المسكينة المشغولة..اشغلوها بالخبزِ والشعير، والجري يوميا على اللقمة والحليب وألهوها بكل رخيص وحقير فمن الكرة وزطيشها، والكركورية وألوانها، وذبيحة العيد وفسادها وغيرها حتى نسيت أو نُسيّت في تعليمها، وتربية أبنائها، وقيمها وروحها..
والقَدَرِيونَ الجُدد من الأئمة والخطباء وأشباه العلماء وأبواقِ الدخلاء علَّموها: قولا وفعلا وحالاً، وأقنعوها بصمتها الجميل، وهدوئها الأصيل وأنَّ حالها الراهن من حُكامها وقوانينها وقرارات وزرائها وكل ما يأتي من فوقها، قدرٌ محتوم، وقضاءٌ مفصول لا يمكن تغييره أو استبداله، ولابد من الصبر على الأقدار المؤلمة، وحتى تأتينا الأقدار الملائمة والموافقة من دفاتر الأحلام والأماني فتصنع لنا الصدفة والمفاجأة، أو انتظار أيادي السماء فتخلصنا مما نحن فيه دون إرادة منا.
إن مسلسل التغريب الذي نتابعه يومياً، ونتلهى به كل صباح ومساء والذي جعل دور البطل فيه للوزيرة الأنيقة الرقيقة بن غبريط قد أُعدَّ بإحكام، ورُتّبَ بانتظام وفق مراحل وأزمان لسلِّ ما بقي في المنظومة التربوية من إيمان وروحانية، وتغريب العربية، وتخريب رائحة الدين والوطنية التي قد يتعلق بها الأطفال والأجيال مستقبلا.
الذين يُهَوِّنُونَ من مقترحات الوزيرة ومشروعها، وربما يبررون لها من كُتاب وأئمة وأساتذة وزعماء سيدركون بعد قليل أن الوزيرة -ومن حولها – من ذكائها المتقد أنها كانت تستخدمهم دون مقابل أو تستعبدهم دون مبالغ، فقد كانوا يبيعونها الهوى بالهواء وعلى الهواء مباشرة، وفي الحقيقة قد باعوا مبادئهم ودينهم وآخرتهم.
إذا استمر المسلسل الغبريطي والذي لا يحمل الرحمة لا في ظاهره ولا في باطنه في صمتٍ من أهل الديانة والعروبة والوطنية، وفوتٍ من أهل الحل والفصل والرأي..فقد تستيقظ الأمة في زمن قريب على منظومة فرنسية غربية علمانية عدائية تقود المؤسسات التربوية، وتسود المناهج التعليمية.
وبعد خراب البصرة لا يفيد البكاء ولا العويل ولا تنفع الحسرة.
* أكاديمي وباحث ـ وإمام خطيب في مساجد أم البواقي