صالون الحلاقة للرجال: بين الماضي والحاضر/ أمال السائحي
الإنسان بطبيعته يميل إلى كل ما هو جميل وبراق، فتراه يحاول دائما أن يظهر بمظهر لائق يرضي به الطرف الآخر سواء كان أنثى أو ذكرا، أو يرضي به المجتمع الذي هو نقطة فاعلة فيه، حتى لا يقال عنه أنه لا يعرف قيمة الزمن الذي يعايشه، أو أنه من الزمن “القديم”.
يقول الدكتور وليد سرحان:” إن الاهتمام بالمظاهر وحب الظهور بين الناس من الأمور الشائعة التي لا تصنف عادة كأمراض نفسية، وإنما هي أنماط في الشخصية قد تكون في حدود ولا تؤثر كثيرا على حياة الناس، وقد تكون شديدة وتشكل جزءا من اضطراب الشخصية النرجسية أو الهستيرية”.
ولفت الانتباه إلى أن هناك أشكالا فردية وجماعية للظاهرة، منها:
– المهتمون بالملابس وعلاماتها التجارية والساعات والكماليات، لدرجة أن ما يتم إنفاقه على هذه الأمور يفوق الإنفاق على أساسيات الحياة، ومثل هؤلاء يكونون مهزوزي الشخصية.
– المهتمون بالظهور بشخصهم، فلا يتركون مناسبة إلا أكدوا فيها على قدراتهم ومعرفتهم ومكانتهم واتصالاتهم وعلاقاتهم، لدرجة أن الناس يملونهم وينفرون منهم.
– الذين يحاولون أن يغطوا على نقص معين في المظهر والشخصية والإمكانات، بكل الوسائل والطرق المقبولة وغير المقبولة والمشروعة وغير المشروعة، وهؤلاء قد يكونون عرضة للوقوع في الديون والأخطاء أو استغلال المجتمع لهم.
فإذا اليوم وما جاءت به الموضة المنتشرة بين الشباب في اللبس وفي فن الحديث والمشي والضحك، والتفنن في حلاقة الشعر، حتى أصبح الشخص في بعض الأحيان لا يفرق بين الذكر والأنثى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تقول امرأة من حين لآخر آخذ أصغر أبنائي إلى صالون الحلاقة، عندما يكون أباه ليس لديه الوقت وغير متفرغ، وكنت دائما أستأذن من صاحب الصالون أن انتظر ابني حتى ينهي حلاقته، وبينما أنا على هذا الحال، لفت انتباهي ورقة معلقة على جدار الصالون، وبها بنود وأمامها سعر كل بند، وإذا بي يدفعني الفضول لأقرأها كلها فكانت الصدمة مما قرأت ..حيث قرأت فيها كيفية نزع الشعر من الوجه وبطرق متنوعة، وكيفية ترطيب الوجه بداية من الماسكات إلى ترطيب البشرة، فصدقا تقول انزعجت ودعوت أن يحفظ الله أبناءنا من هذا التخنث الذي زاد عن حده..
ينبغي أن نفكر بطريقة أكثر عملية في حياتنا، فالشكل الخارجي للأشياء يزول بعد فترة من الزمن، فالجمال زائل، والديكورات الخارجية للأعمال زائلة، والمظاهر البراقة زائلة، ولا يبقى إلا الأصل، فهو الذي يجب أن تتوجه له المقاصد، وتبذل من أجله الأوقات والأموال، وبهذا نسهم في تقدم الأمة ورقيها.
ومما يجدر ذكره في هذا الصدد، أن السلف الصالح لم يكونوا أقل اهتماما منا بمظاهرهم، فلقد كانوا حريصين على ذلك حرصنا نحن اليوم عليه، فكانوا يستجيدون الثياب، ويتنافسون في اقتناء العمائم، ويبذلون لأجلها الأموال الطائلة، إكراما لهاماتهم، ويتحرجون كل الحرج من أن تتلطخ ثيابهم، بآثار أكل أو غيره، يشهد لذلك ما روي عن ابن مقلة الكاتب والوزير والخطاط، أن استضيف عند أحدهم فقدم له حلوى مغمورة في العسل والزعفران، فقطرت منها قطرة على ثوبه، فقال له المضيف أعطني الثوب أغسله لك؟ فقال:
ـــ لا عليك، جئني بدواة فقط؟
فلما جاءه بما طلب، غمر القلم في الدواة ووضع قطرة من المداد على اللطخة، فقال الرجل:
ــ ماذا صنعت؟ فأجاب مشيرا إلى البقعة على الثوب:
ــ إن الأولى أثر شراهة، أما الثانية فأثر صناعة. وقد كان سلفنا الصالح يأخذ ذكوره بحزم ويُكرِّه لهم التشبه بالنساء، وجاء الإسلام فعزز ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:” لعن الله الرجال المتشبهون بالنساء والنساء المتشبهات بالرجال“(أخرجه البخاري).
وأثر عنهم أنهم كانوا يقولون:” زينة الرجال فيما تحلوا به من خصال، وزينة النساء فيما بدا وظهر وشد إليه البصر”.
وهذا الشاعر العباسي مسلم بن الوليد، حينما أراد أن يمدح القائد يزيد بن مزيد الشيباني، نسب إليه الخصال التي يتمادح بها الرجال فقال عنه:
يغشى الوغى وشِهابُ الموت في يده
يرمي الفوارسَ والأبطالَ بالشعل
مُوفٍ على مُهجٍ في يوم ذي رَهجٍ
كأنه أجلُ يسعى إلى أمل
لا يرحل الناسُ إلا نحو حُجرتِه
كالبيت يُفضي إليه مُلتقَى السُّبل
فنسب إليه كما ترون الشجاعة والإقدام، والنفع العام، ثم نفى عنه الركون إلى التنعم والتشبه بالنساء في الإفراط في التطيب والاكتحال فقال:
لا يعبقُ الطيبُ خَدَّيه ومفرقَه
ولا يمسحُ عينيه من الكُحُل
فيا ليتنا نأخذ أبناءنا اليوم بهذا المبدأ الذي يجعل الواحد منهم أحرص ما يكون على التحلي بالقيم الفاضلة، والخصال الكريمة، مما يوافق رجولته، ويسمو بهمته، وأن ينشغل بالاهتمام بمخبره، عوض انشغاله المبالغ فيه بمظهره، والله الموفق وهو وحده يهدي السبيل…