غير مصنف

مسألة لحم الحلال في فرنسا والجدل المثير حولها/ باريس من سعدي بزيان

المسألة وليدة تاريخ حديث

لم يعرف الجيل الأول ولا الجيل الثاني من المهاجرين الجزائريين مسألة لحم الحلال، ولم تُطرح كإشكالية في حياة المهاجرين اليومية، حقا هناك محلات جزائرية في باريس وبالضبط في بارباس”الدائرة 18″بيع اللحم ومطاعم جزائرية تقدم وجبات طعام باللحم ولكن لم يكن اللحم حلالا، ولم يتعرض للرقابة ويضع عليه ختم لحم حلال كما هو الوضع حاليا، وعاش المهاجرون الجزائريون في عشرات السنين دون طرح إشكالية لحم الحلال، وفي نهاية السبعينيات وخاصة بعد ثورة إيران 1979 أخذ المهاجرون المغاربيون بالخصوص يطالبون بقاعات للصلاة في مصانع؛ رونو، وسيمكا، وسيتروان، واستجابت إدارة هذه المصانع لمطالبهم، كما طالب سكان محلات سونا كوترا الخاصة بالمهاجرين هم الآخرون بقاعات للصلاة في هذه المساكن، وأذكر أنني في أواخر سنة 1966 انتدبت لتعليم اللغة العربية للمهاجرين الجزائريين في باريس تحت إشراف ودادية الجزائريين بفرنسا بقيادة الضابط والمجاهد المرحوم محمود قنز أول رئيس لودادية الجزائريين بفرنسا، ولما حل شهر رمضان وأنا والعائلة نسكن في فندق ونحن في حيرة من أمرنا، وأين نتناول طعام الإفطار حيث كل المطاعم الجزائرية لا تقدم وجبات لحم حلال، وعندما استأجرنا مسكنا وجدنا أنفسنا في حيرة أخرى وهي من أين لنا بلحم الحلال لإعداد الشربة ذلك أن لحم الحلال غير موجود أصلا في فرنسا وسبحان مغير الأحوال، ودوام الحال من المحال، وعرفت الساحة الإسلامية في فرنسا صحوة إسلامية جديدة، فقد أخذوا يؤسسون مساجد ومراكز إسلامية وإذاعات عربية إسلامية وهذا بفضل إعادة إحياء قانون الجمعيات لعام 1901، وتم إحياء هذا القانون غداة وصول فرانسوا ميتران الاشتراكي إلى الحكم في 10مايو 1981 واستفاد المسلمون من هذا القانون فدشنوا عهدا جديدا في حياتهم حتى أصبحنا نقرأ في جريدة لوموند مقالا بعنوان “فرنسا بلد ألف مسجد و2000 جمعية إسلامية ثقافية”.

لحم الحلال له أسواقه وكثر الحديث من طرف اليمين بجناحيه في السنوات الأخيرة:

شاءت لي الظروف أن أكون في قلب معركة لحم الحلال التي لا زالت تتفاعل في فرنسا وتصدر حولها دراسات، وكتب، وتحتل مكانة في الجدل السياسي في فرنسا حول مكانة الإسلام في المجتمع الفرنسي، فقد هاجمت مارين لوبان تجارة لحم الحلال، وتعهد ساركوزي أنه في حالة عودته إلى الحكم سوف يلغي تقديم وجبات خاصة خالية من لحم الخنزير بالنسبة لأبناء المسلمين في المطاعم المدرسية الفرنسية، وأيده كثير من رؤساء البلديات، وأعرف أن بلدية سيرلي مازاران في الولاية 91 جنوب باريس ما زالت مصرة على تقديم وجبة واحدة لا فرق في ذلك بين أبناء المسلمين وأبناء الفرنسيين بدعوى المساواة بين مواطنين فرنسيين بغض النظر عن الانتماء الديني والمنظمات الإسلامية وعلى رأسها المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي تأسس في سنة 2003، وكان أول رئيس له هو عميد مسجد باريس دليل بوبكر ولم تتدخل هذه التنظيمات لصالح أبناء المسلمين مما خلا الجو لمختلف الأحزاب اليمينية في الطعن في الإسلام والمسلمين، وتجاهل هؤلاء المسلمين الذين يشكلون الديانة الثانية في فرنسا بعد الديانة الكاثوليكية، وتعمل هذه الأحزاب على إرغام المسلمين على التخلي عن ديانتهم والانصهار التام في المجتمع الفرنسي وهذا المبدأ مرفوض من طرف المسلمين.

حقائق من داخل المجتمع الفرنسي تتحدث وأرقام تؤكد

غدا سوق لحم الحلال في فرنسا مثار حديث واهتمام حتى من قبل بعض الداعين “الإسلامي فرنسي”  والعمل على تمويله من خلال فرض رسوم على هذه التجارة ووضعها في الصندوق الخاص لتمويل “الإسلام الفرنسي” الذي يرأسه بيير شيفينما والذي تأسس مؤخرا ولا ندري ما مصيره بعد تغيير الحكم.

مسلمو فرنسا ومدى استهلاكهم للحم الحلال في فرنسا:

قام في المدة الأخيرة معهد “مونتان” باستطلاع واسع لمعرفة مدى إقبال المسلمين على شراء لحم الحلال واستهلاكه وكانت النتيجة أن 70 بالمائة من الذين شملهم سبر الآراء أنهم باستمرار وبصورة مستمرة لا يستهلكون سوى لحم الحلال مقابل 6 بالمائة فقط قالوا إنهم لم يستهلكوا أبدا لحم الحلال، وتؤكد جريدة “ليبيراسيون” اليسارية الباريسية أن سوق لحم الحلال في فرنسا يعرف ازدهارا منقطع النظير، وكانت الكاتبة الفرنسية فلورانس بيرغود Florence bergeaid blakler أصدرت كتابا كاملا عن سوق لحم الحلال وتجارته وتجاره وتقول هذه الكاتبة إنني قضيت 10 سنوات في البحث والتقصي في مفهوم الحلال Licite. الحرام ILLICITE وتزامن صدور هذا الكتاب صدور كتاب بعنوان “الحلال والحرام في الإسلام” للقرضاوي وصدرت له ترجمة في فرنسا، وبدا أن بعض مستشاري وزير الداخلية يومئذ شارل باسكوا الذي رحل، رأى في كتاب  القرضاوي ما يتعارض في بعض الجوانب في السياسة الفرنسية في تعاملها مع الإسلام والمسلمين وقد صودر هذا الكتاب وحرم تداوله.

ثم أفرج عنه فيما بعد عدة تدخلات من طرف شخصيات إسلامية، ومن خلال المؤتمر السنوي لاتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا الذي يقام كل سنة في منطقة لوبورجي الولاية 93 سان دوني شمال باريس قامت الكاتبة فلورانس بيرغود التي سبق الحديث عنها وكتابها بتحقيق واسع شمل العشرات من الحاضرين المسلمين في هذا الملتقى الإسلامي السنوي، فكانت النتيجة 85.9 بالمائة قالوا إنهم يستهلكون لحم الحلال ويستهلكون المواد الخالية من الشحوم، كما نقلت إلينا الكاتبة عن معهد مونتان الذي صدرت له سنة 2016 دراسة تناولت الجانب الهام من موضوع لحم الحلال في فرنسا ومستهلكيه من المسلمين ومن المعتنقين للإسلام من الفرنسيين وغيرهم، وقالت هذه الدراسة إن أكثر من 40 بالمائة من المسلمين يعتبرون أكل لحم الحلال هو واحد من أركان الإسلام الخمس، وهذا خطأ ما بعده خطأ وأنا شخصيا لا أعتقد أن المسلمين لا يفرقون ما بين أكل لحم الحلال وأركان الإسلام الخمس وخاصة وأن المكتبات الإسلامية مليئة بالكتب الإسلامية وباللغتين الفرنسية والعربية والمشكل أن مسلمي فرنسا لحد الآن لم يستطيعوا امتلاك مسلخ خاص بالمسلمين عكس مسلمي بريطانيا الذين يملكون أكثر من مسلخ ولم تطرح في بريطانيا قضية لحم الحلال أصلا، ولا قضية الحجاب، وقد حاولت بعض الشخصيات الإسلامية في فرنسا إقامة مصنع لصناعة المواد الغذائية على ضوء الشريعة الإسلامية ولم يوفقوا لحد الآن ولاشك أن هناك تطورات هامة حدثت في فرنسا لصالح المسلمين بفضل جهودهم الذاتية ومساعدة بعض دول المغرب العربي وتركيا ورابطة العالم الإسلامي في السعودية.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com