رحلة مع “الجيوبوليتيكا”/منصف بوزفور
إن التفاوت الاقتصادي أصبح اليوم أوسع بكثير من مثيلاته في أي لحظة من لحظات تاريخ النظام العالمي الحديث، وبالنسبة إليهما هناك توتّر في المكان ـ الحيّز، وإن النزاعات السياسية حول المكان الحيز وبناء نطاق جغرافي هي كلها مكونات تشكّل جزءا لا يتجزّأ من النضالات المستقبلية المتعلقة بمسار الاقتصاد العالمي الرأسمالي.
فإذا كانت الدولة قد نشأت كحيّز سياسي من البداية، فهل حقا أن هذه الدولة القومية مهددة بنهاية حتمية من طرف العولمة نفسها؟
فإذا كانت الدولة قد تحوّلت خلال القرنين الماضيين إلى مكان عوض عن حيّز، وقد دُمج بناء الأمة ـ الدولة بين حيز الأراضي ذات السيادة، وبين مكان الوطن المقدس، وكان ذلك نضالا سياسيا أصبح فيه حيز الدولة هو مكان الأمة الدولة، وأصبح الرعايا “مواطنين”، وأصبح بوسع المواطنين تقديم المطالب إلى الدولة الأمر الذي أدّى إلى ظهور دولة الرفاه.
فهل انتهاء دولة الرفاه هو انتهاء كذلك للأمة والدولة نفسها، وبالتالي عودة إلى توصيف المواطنين بالرعايا الكونيين؟
من الصعب تحديد ما عسى أن تكون عليه الدولة في المستقبل، رغم علمنا أن الكيفية التي ستظهر بها مناطق العالم، ستعمل بلا شك على بقاء الدولةـ الأمة، إلى جانب ضرورة التعدد الثقافي واللساني المرشّح دائما لعمل عمله على مستوى ما يوصف دائما بالمواطنية؛ فإذا كانت هناك مظاهر جديدة ستحدث على مستوى الجيوبوليتيكا، فلن تكون بالمواصفات التي تطرحها الولايات المتحدة لما يجب أن تكون عليه العولمة.
كما أن الجيوبوليتيكا المناطة بالاتحاد الأوروبي، وما لحقها على مستوى مفهوم المواطنة ومفهوم الدولة ـ الأمة كوحدة سياسية، هو اختيار قد اتّبعه المجتمع الأوروبي حتى قبل الإعلان عن العولمة وقبل نهاية الحرب الباردة كذلك.
أما جيوبوليتيكا العالم الثالث فقد انتهت مع نهاية العالم الثاني وسقوط الشيوعية.
لكن هناك اتجاه لتنظيم العالم نفسه وفقا للاقتصاد العالمي وللتجارة الدولية.