فقه التجديد/ عبد القادر قلاتي
إنّ للتجديد قواعد ومناهج يقومها عليها، فهو مشروع يتأسس على رؤية جماعية تقف وراءها مؤسسات وأنظمة وحكومات، وليس أفكاراً يتبناها شخص أو مفكر أو أديب أو فيلسوف، ولو كان التجديد بهذا الوجه لكنا خرجنا من واقعنا الحضاري المزري الذي نحياه من أمد بعيد، والذين يتبنون أفكاراً تجديدية أغلبهم تأثروا بمنجزات الحداثة الغربية ومن ثمّ تبنوا رؤيتها العالمية دون النّظر في فلسفتها التأسيسية ومجالها التداولي، وهنا تكمن الخطور على الواقع الثقافي، وما هذه الفوضوى التي تسري في واقعنا الثقافي والديني إلاّ نتاج هذه الرؤية الفاسدة، التي تعمل على تخريب التصورات العامة للأمة حول العصر الذي نحياه والتحولات المتسارعة التي تطبعه، ولو أن الأمة انطلاقاً من مشروع تتبناه الأنظمة والحكومات، ويقوده علماء يملكون مقدرة وكفاءة علمية ومعرفية، لقطعنا الطريق على هذا الشغب الفكري الذي يُسوِّقُه أناس عديمي الكفاءة والمقدرة لكنهم وجدوا فضاءاً مفتوحاً فراحوا يلقون بسخفاتهم الفكرية التي لم تلامس الواقع الحضاري الذي نعيشه، بل انصبت جهودهم المتهافتة نحو حقائق الدين، تخريباً لمجمل مسلماته وأبجدياته، حتى لا يبقى منها إلاّ مظاهر وطقوس دينية، أما روحه ومقاصده السامية فهي المقصودة بعملية التخريب.
إنّ موضوع التجديد والنهوض الحضاري يجب أن يدرس كمادة علمية في جامعاتنا، لكن ليس من الناحية التاريخية التي تنقل التجارب التي عرفتها أمتنا من خلال الكتابات وبعض الحركات الاصلاحية التي حملت لواء مشروع النهضة، وإنمّا من خلال عملية تنظير فكري يؤسس لرؤية متوازنة تجمع بين حقائق العلم ومسلمات الدين، وفق قواعد منهجية تُدَرّس في أقسام العلوم الانسانية والاجتماعية والدينية، حتى نفتح أفق النّظر الفكري واسعاً للأمة جمعاء، لكن بخلفية معرفية تؤطرها الجامعات ويتابعها الباحثون المقتدرون، ونغلق الأبواب في وجه هذا العبث الفكري المنتشر في واقعنا الثقافي والديني.