بلطجي سياسي برتبة رئيس/ عبد الحميد عبدوس
شكل انتخاب الملياردير دونالد ترامب في عام 2016 في منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية صدمة للعالم، وبعد سنة واحدة من انتخابه أصبح الرئيس الخامس والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة محط سخرية الأمريكيين، حيث أظهر استطلاع للرأي أن أغلب الأمريكيين يعتبرون بأنه شخص ” غبي” و “كذاب” و “غير كفء”.
ومن الملفت للانتباه أن الغرائبية السياسية التي تمخضت عن انتخاب دونالد ترامب، كانت قد أثيرت في مسلسل كارتوني كوميدي بعنوان: “عائلة سيمبسون” حيث تنبأت إحدى حلقات المسلسل الشهير بأن يصبح رجل الأعمال المثير للجدل، دونالد ترامب، رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، واعتبر كاتب هذه الحلقة أن تقلد الملياردير ترامب لأهم منصب على سطح الكوكب، جاء في إطار كتابة قصة عن “حالة الجنون التي ستنتاب أميركا”.
ورغم كل الكتب والمقالات والآراء التي تناولت طريقة حكم ترامب بالنقد أو التشهير، ورغم كل المحاولات التي بذلت معه في الولايات المتحدة لدفعه إلى تعديل سلوكه من قبل عدد من المستشارين والوزراء النافذين، وحتى محاولة عزله من طرف البرلمان لم تفلح كلها في وضع حد لسلوكه الأرعن المخالف لتقاليد من سبقوه في قيادة الولايات المتحدة التي أصبحت بعد نهاية حقبة الاتحاد السوفياتي زعيمة العالم المعاصر بلا منازع.
لقد اتضح للجميع بعد قرابة أربع سنوات من تنصيب ترامب رسميا في منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (جانفي 2017/ جانفي 2020) وبعد أن أصبح على مشارف خوض الانتخابات الرئاسية للفوز بعهدة رئاسية ثانية، أن تصريحاته المتناقضة وتصرفاته الاستفزازية وطلباته الابتزازية وقراراته المفاجئة، ليست مجرد زلات عابرة أو خرجات منعزلة ولكنها طريقة حكم خاصة وأسلوب متبع في توجيه السياسة الأمريكية، وهي طريقة يمكن تسميتها بالبلطجة السياسية. والبلطجة هي لفظ دارج في العامية وليس له أصل في العربية، يعود أصله إلى اللغة التركية، وتعني اصطلاحا استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة، فهي عملية اعتداء على الآخرين قهرًا وبدون وجه حقّ بارتكاب أعمال منافية للقانون والعرف .
هذا النهج البلطجي الذي سار عليه الرئيس دونالد ترامب كانت له مظاهر داخل الولايات المتحدة وخارجها، فعلى المستوى الداخلي الأمريكي، اعترف مايكل كوهين المحامي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب في سنة 2018 بأنه دفع أموالا بتوجيهات من الأخير لإسكات ممثلات إباحيات قبيل الانتخابات الرئاسية، خوفا من تأثيرهن على حظه في الانتخابات.
وفي شهر أفريل 2018 صرح جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالي “أف بي آي” السابق أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتبع سلوكا شبهه بـ “زعماء العصابات الذين كان يحقق في شأنهم في شبابه”.
وفي جانفي 2019 كشفت مجلة (نيوزويك) جوانب من علاقات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعصابات المافيا الإجرامية، وأوردت أنه هو والجمعيات التابعة له استعانوا بشخصيات من عالم الجريمة والرذيلة في افتتاح صالات القمار الفخمة المملوكة له (والتي أفلست فيما بعد).
وفي 25 جويلية 2019 جرت مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تم الكشف عنها لاحقا، تضمنت أن ترامب طلب من الرئيس الأوكراني مرارًا وتكرارًا للتحقيق مع منافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن وابنه، وقال ترامب في المكالمة:”هناك الكثير من الحديث عن ابن بايدن، وإن بايدن أوقف التحقيقات والكثير من الناس يرغبون في معرفة ذلك، لذا فإن كل ما يمكنك القيام به مع النائب العام سيكون رائعًا. بايدن تفاخر بأنه أوقف النيابة”. واستند النواب الديمقراطيون في الكونغرس على نص المكالمة لاتخاذ الإجراءات التي اتخذوها في مجلس النواب الأمريكي من أجل عزل ترامب.
وعلى المستوى الخارجي أو الدولي لا يتورع الرئيس ترامب عن الحديث علنا عن ابتزازه المكشوف لحكام المملكة العربية السعودية والطلب منهم دفع ملايير الدولارات مقابل إرسال أو الإبقاء على قوات أمريكية في السعودية، وفي مقابلة تلفزيونية مع قناة (فوكس نيوز) الأمريكية في شهر جانفي الجاري ( 2020) قال دونالد ترامب، إنه أبلغ السعودية بضرورة دفع تكاليف أي قوات أمريكية إضافية في المنطقة، وأن السعوديين استجابوا.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في أكتوبر الماضي، أنها ستنشر عددا إضافيا كبيرا من القوات في السعودية لمساعدة المملكة على تعزيز دفاعاتها في أعقاب هجوم 14 سبتمبر على منشأتي النفط الذي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه. وسبق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أعلن أن السعودية تغطي بالكامل الإنفاق لنقل الولايات المتحدة قوات عسكرية إضافية إلى المملكة بعد هجوم “أرامكو”، وبخصوص دفع السعودية أموالا لأمريكا في عهد ترامب قال:”يكمن الأمر في أنه لم يطلب أحد منهم القيام بذلك حتى وصولي إلى السلطة. لم يفعل ذلك أي من أوباما أو بوش أو كلينتون، لكنني جئت وطلبت، وهم الآن يدفعون، ولقد أحالوا لنا مليارات الدولارات وهي الآن في البنوك، وهم حقا سعداء بذلك”.
وفي العراق، وبعد تصويت أغلبية نواب البرلمان العراقي يوم 5 جانفي الجاري على قرار خروج القوات الأمريكية من العراق ومساندة المتظاهرين العراقيين لهذا المطلب حتى لا تتحول العراق إلى ساحة حرب بين أمريكا والعراق، بعد حادثة اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني على أرض العراق، رفض ترامب هذا المطلب العراقي الرسمي والشعبي، وهدد بفرض عقوبات غير مسبوقة على العراق في حال تمسك العراق بهذا المطلب، مؤكدا أنه لن يغادر العراق حتى يدفع العراقيون لأمريكا ملايير الدولارات كثمن للقواعد العسكرية والمطارات التي بنتها الولايات المتحدة في العراق، وهذا التصريح جاء بعد أن كان دونالد ترامب يصرح بأنه لا مشكلة له في مغادرة قواته العراق إذا طلب المسؤولون العراقيون ذلك.
وبخصوص الوضع في سوريا أعلن الرئيس الأمريكي في ديسمبر 2018 عن انسحاب قوات بلاده من سوريا، موضحا أن السبب الوحيد لتواجد القوات الأمريكية بسوريا هو لمقاتلة تنظيم داعش الذي تمت هزيمته، حسب تأكيده. وتم بالفعل سحب قسم من القوات الأمريكية من سوريا ولكن دونالد ترامب استدرك الأمر بعد ذلك، مؤكداً أن مجموعة أخرى من الجنود ستقوم بـحماية النفط في سوريا، قائلا:”يمكن أن نرسل واحدة من كبرى شركاتنا النفطية للقيام بذلك بشكل صحيح”.
وبخصوص القضية الفلسطينية، وبعد اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني في خرق واضح للقوانين والمواثيق الدولية، هدد الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر 2017 بوقف المساعدات المالية عن الدول التي تصوت لصالح مشروع قرار بالجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قراره الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
وهكذا يمكن القول إنه فبعد 74 سنة من تأسيس الأمم المحدّدة التي حدد ميثاقها: حفظ الأمن والسّلم الدوليين، وتنمية العلاقات الدوليّة على أساس احترام المبدأ الذي يقضي للشعوب بحقوق متساوية ويعطيها حق تقرير مصيرها، وتحقيق التّعاون الدولي لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعيّة، والثقافيّة، والإنسانيّة، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، والحريّات الأساسية للنّاس جميعاً دون تمييز بسبب الجنس أو اللّغة أو الدينيّة، عدنا في عصر دونالد ترامب إلى قانون القوة، أو منطق الغاب، أو حجة القوة بدل قوة الحجة. وهذا هو عصر البلطجة السياسية كطريقة للحكم في عهد دونالد ترامب، رئيس أقوى دولة في العالم.