التربية والتعليم / كمال ابوسنة
المدرسة مؤسسة خطيرة بما تلعبه من دور في مجالين مهمين: هما التربية والتعليم.
ولهذا حين قام الإمام عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه بتأسيس أول مدرسة عربية لأبناء الجزائريين الذين بلغوا سن التعلم سماها المكتب العربي ثم مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة، فجعل هذين الوصفين مرتبطين بها، إذ لا تربية بلا تعليم ولا تعليم بلا تربية…
وهذا إن دل على شيء إنما يدل على حسن تفكير العلامة ابن باديس وعمق نظرته في مجال تكوين الناشئة التي هي صانعة مستقبل أي أمة.
يقول الإمام عبد الحميد بن باديس في هذا الصدد عند تحديد المهمة التي أنشئت من أجلها جمعية التربية والتعليم الإسلامية:
“بني القانون الأساسي للجمعية من الوجهة التربوية: على تربية أبناء المسلمين وبناتهم تربية إسلامية بالمحافظة على دينهم ولغتهم وشخصيتهم ( أي تحقيق كينونة الفرد وكينونة الجماعة )، ومن الوجهة التعليمية على تثقيف أفكارهم بالعلم ( المعرفة ) باللسانين العربي والفرنسي ( أي إكسابهم الجوانب المعرفية النظرية )، ( ومن الوجهة العملية التطبيقية ) تعليمهم ( الحرف ) الصنائع ( أي إكسابهم القدرة على توظيف المعارف المكتسبة، وتطبيق النظريات، وتدريبهم على المهارات اليدوية )… ” أنظر كتاب إمام الجزائر للدكتور فضيل والشيخ رمضان ص 182.
لقد أخفقت المدرسة الجزائرية اليوم في لعب دور المربي المكمل لدور الأسرة الجزائرية التي تعاني هي نفسها من أزمة كبيرة بعد تعرضها للغزو الثقافي الخارجي الذي أفرغ منها عوائد وسلوكيات ذاتية وملأها بغيرها من العوائد والسلوكيات التي لا تمت صلة بعناصر تكوين الأمة الجزائرية من دين ولغة وتاريخ وجغرافية…
لقد ازدادت المدرسة الجزائرية تأزما مع مرور السنوات الأخيرة خاصة حين حاولت أن تسير على نهج هو أقرب إلى الطريقة الفرنسية الغربية التي تعتني بقدر كبير بالجانب التعليمي ولا تهتم بالجانب التربوي الأخلاقي لاعتمادها المنهج العلماني كنظام حياة، ولهذا فالمدرسة الفرنسية لا يهمها إن حملت تلميذة من زميلها في الصف، وستجد أن أول المهنئين مدير المدرسة والأساتذة، وذلك باسم الحرية الشخصية غير المنضبطة التي أصبحت الإله الجديد الذي يعبد من دون الله..!
والغريب أن المدرسة الجزائرية لم تأخذ من المدرسة الفرنسية الجوانب الإيجابية فيها كالإدارة وحسن الاهتمام بالتلميذ من ناحية توفير الوسائل التعليمية والتطبيقية وغيرها من الأمور التي يمكن الاستفادة منها لتعين الطلاب على التعلم، ولكن أراد بعض القائمين على المدرسة الجزائرية أن يستنسخوا المدرسة الفرنسية في الجزائر، فخرج ما استنسخوه ليس شبيها بالمدرسة الفرنسية ، كما لم يبق على أصله، وهكذا أصبحت الأجيال عبارة عن فئران تجارب في مخابر غير مسئولة ولا أمينة..!
إن نجاح المدرسة الجزائرية مرتبط بالعودة إلى أصلها، وأصلها كان يعتمد حقا لا زعما على التربية والتعليم، تربية النفوس وتعليم العقول على حد سواء.
فيا أيها القائمون على شؤون المدرسة الجزائرية: إن هذه المدرسة مثلها ومثلكم كمثل صاحبة الهرة التي حبستها فما هي أطعمتها وما هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فدخلت النار…فلا أنتم طورتموها لتكون مؤسسة تعليم وتربية بحق وما تركتم غيركم ليقوموا بهذه الرسالة الخالدة…ولله في خلقه شؤون!