كلمة رئيس الجمعية/ أ. د. عبد الرزاق قسوم
بسم الله العلي العظيم، الذي باسمه نبتدي، وبهدي كتابه وأحكامه نهتدي.
ونصلي ونسلّم على المعلّم الأول للإنسانية، سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، الذي هو القدوة التي بها نقتدي.
وعلى آله وصحبه وكل الأوفياء لعهده وسنته، والعاملين لتحقيق المجد والسؤدد.
أبناءنا وبناتنا الأصلاء الميامين، أبناء وبنات جمعية العلماء، الصالحين المصلحين.
تحية من عند الله مباركة طيّبة، تُجتبي وتُقتفي، نخصكم بها وأنتم عباده الذين اصطفى.
ها نحن يا أبنائي وبناتي نجتمع في هذا المجلس الوطني، الثاني من نوعه، منذ أن قلّدتموني وسام ثقتكم لقيادة جمعيتكم.
ومن حقكم علينا كقيادة أن تحاسبونا، ومن واجبنا نحوكم أن نصارحكم، وأن نصدقكم القول والفعل.
لقد تميّزت هذه السنة التي انقضت بتحديات برزت، وبفتن ومحن نشبت، كما شهدت ميلاد الحركية الشعبية السلمية التي وثبت، وها نحن ننعم اليوم بحصاد جهدها، ووفاء عهدها.
لقد انطلق الحراك الشعبي الميمون على تقوى من الله، ووفاء للوطن، فكنتم أنتم أبناء وبنات الجمعية من أوائل المؤسسات التي أيدت ودعمت، كما كانت جمعية العلماء من أوائل الجمعيات التي حذرت، ونصحت، ونبّهت إلى عدم السماح بالسطو على مبادئه، وتحويله عن أهدافه ومقاصده.
لكن بالموازاة كان على الجمعية أن تكون في مستوى الثقة التي يضعها شعبنا فيها، والآمال التي تعلّقها الأمة عليها.
ولكي يتحقق ذلك كان لابد من العناية بهياكل الجمعية، وتجديدها، وإعادة تنظيمها وبث الوعي في أتباعها ومناضليها.
فهل كنا في مستوى هذه التطلعات؟ وهل تحلّينا بالقابلية والتأهيل للاضطلاع بمختلف المسؤوليات؟
إنه ليحز في قلوبنا أن تكون إجابتنا مخيّبة للظنون، وشُعبنا عن الأمل المنشود أبعد ما تكون.
- الوعي بثقافة التنظيم:
إن الباحث المدقق، والفاحص المحقق، يلاحظ –بكل أسف- هوة سخيفة بين الأقوال والأفعال، وبين الشعارات والانجازات، بل إن هناك شبه قطيعة بين المكتب الوطني، والشُّعب الولائية من حيث الوعي بثقافة التنظيم.
سوف يقدّم لكم المسؤولون عن التنظيم، وعن التعليم النقائص الفادحة، التي تطبع العلاقات الواضحة.
إن الخاصية التي تطبع قيادة جمعية العلماء منذ الإمام عبد الحميد بن باديس إلى اليوم، هي الزهد في الأموال، والتضحية بالأعمال، والاعتدال في الخطاب والمواقف والأقوال.
لكن ما بدا لنا من خلال متابعة الأحداث هو طغيان طابع المصلحة المادية لدى بعض أتباع الجمعية، في طبع مدارس الجمعية بالطابع المادي بدل الطابع العلمي الذي هو خاصيتها.
كما لاحظنا عدم الوعي بنشر ثقافة الجمعية في مختلف البلديات، وعدم التجاوب مع التعليمات وقانون التنظيمات.
فهل يعقل أن ولاية تحتوي على ما يزيد على الثلاثين بلدية، لا توجد شعب الجمعية فيها إلا في بلديتين، وهذا من خلال ثلاث عهدات للشعبة الولائية.
وهل يعقل أن شعبة ما تطلب عدم استقبال صحيفة البصائر في ولايتها؟ وأين ثقافة الوعي بمنهج الجمعية؟
فإذا انتقلنا إلى منهجية الانضباط لاحظنا ازدواجية في المواقف، وطغيان الثقافة العصبية الحزبية على ثقافة الجمعية الإصلاحية، وقد نجم عن هذا اتخاذ المواقف المضادة لمواقف الجمعية بما يعطي الانطباع باستغلال اسم الجمعية، وختمها وإخضاعها لمصالح شخصية أو حزبية ضيّقة.
لذلك هالنا عدم التفاعل من الشُّعب الولائية مع تعليمات القيادة الوطنية، فلا ردود على المراسلات، ولا استجابة للاستبيانات وطلب المعلومات، بل ولاحظنا أن بعض الشعب تختزل في شخص واحد أو شخصين، فلا عنوان ثابت، ولا اجتماعات تنظيمية كما تنص على ذلك قوانين الجمعية.
فهل مثل هذا السلوك يستجيب لمكانة الجمعية، والاسم العظيم الذي نجد صداه لدى الدولة والشعب معا؟
- الصراع الإيديولوجي داخل الجمعية:
فيا أبنائي، ويا بناتي !
لقد أصبحت التهم تكال لجمعية العلماء بأنها مخترقة ومدخولة؟
فهل إذا جعلنا من الجمعية الخيمة التي يأوي إليها الجميع، نتهم بأننا فتحنا الجمعية أمام من هبّ ودبّ؟
ومتى كانت الجمعية تغلق أبوابها أمام أي مواطن، حتى نفعل ذلك اليوم؟
لكن الانفتاح لا يعني أن نطفئ نور الجمعية ونفتح الأبواب أمام الإيديولوجيات المعاكسة؟
نحن نعيش –بكل أسف- تفشي ذهنيات هي أبعد ما تكون عن منهجية الجمعية.
فهناك الذي يأتي إلى الجمعية يحدوه الكسب المادي، باستغلال عنوان الجمعية لفتح مدارس يستغلها لجمع الأموال، بعيدا عن كشوف الحسابات التي تطبعها الشفافية، وتسمو بها عن الانتهازية، وتجعلها في مصاف المؤسسات المعادية للقيم والأخلاق الإسلامية.
وهناك من يعلق لافتة الجمعية ليكسب بها المصداقية، وهو تابع لجمعيات أجنبية.
وهناك من ينضوي تحت لواء الجمعية، ويكتب في صفحته، وموقعه، تعاليق تتنافى وقناعات الجمعية.
فكيف والحالة هذه تتوقعون أن نبني جمعية منسجمة، ومتناسقة، ومتآلفة، وأتباعها، أو بعض أتباعها يكيلون بمكيالين.
لقد أدبنا الإسلام فأحسن تأديبنا حين علّمنا كيف نتأدب مع المؤالف، ونتسامح مع المخالف.
لكن البعض منا تحت غطاء الجمعية ذهب بعيدا في التعامل مع المخالف باستخدام العنف في الخطاب، واللجوء إلى أقدح الأقوال في السباب.
وليت هذا كان مع المخالفين الأحياء، بل امتد حتى إلى الأموات.
فالإسلام يحثنا، ونحن أتباع الإسلام بأن نستغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وأن لا يجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، وأن ندعو للميت: إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه سيآته.
والحديث النبوي ينصحنا أن:” اذكروا محاسن مواتاكم“، في حين قرأت لبعض أبنائنا في حق الفقيد قايد صالح قوله: “اللهم ضيّق عليه في قبره، كما كان يضيّق على المستضعفين !”.
- مواجهة التحديات:
نعتقد أن جمعية العلماء أمامها تحديات أخطر وأعظم من كل هذه الخلافات.
فهي مدعوة إلى مواجهة تحدي تهديد الوحدة الوطنية، لبث الوعي، والتآخي، والتسامح.
وهي مدعوة إلى أن تسمو إلى مستوى يؤهلها إلى أن تفشل مخططات الغزو بجميع أنواعه، بدءا بمحو الشخصية وزعزعة مقومات الهوية، وتشويه معالم العقيدة الإسلامية.
وأكثر من هذا، فإن جمعية العلماء بحكم مكانتها التاريخية، وموقعها الإصلاحي، ومنهجها الوسطي المعتدل، مؤهلة إلى أن تكون الحَكَم العادل في الفصل بين المتنازعين في الداخل، إن هي أحسنت القيام بدورها القيادي.
كما أنها مؤهلة إلى أن يكون لها امتداد على الصعيد الإقليمي والعالمي، لتضطلع بدور حاسم في حل النزاعات، وإثبات وجودها بين مختلف المؤسسات والهيآت، لذا وجب على أبناء الجمعية وبناتها أن يسأل كل واحد منا نفسه هل أنا في مستوى تطلعات جمعية العلماء؟
وهل ما آتيته من سلوك ينسجم مع قناعات ومواقف الجمعية؟
أما من جانبنا فإننا نعدكم بالتجديد بأدق وأعمق مدلولاته، سنجدد هياكل الجمعية، ومناهجها، وسنجدد ذهنياتنا، وطريقة تعاملنا مع الجميع، حتى نكون في المستوى المطلوب للجمعية، ونحن واثقون من أن هذا التجديد لن يكتب له النجاح، ما لم يكن –بالمقابل-، التجاوب المطلوب من الشُّعَب البلدية، والولائية، ومن القائمين على المؤسسات التعليمية، ومن تعبئة الكفاءات العلمية، والطاقات الشبانية، التي لا تزال بعيدة عن الجمعية العلمية الوطنية.
لذلك نحن نتوجه بنداء صادق ومخلص إلى كل أبناء وبنات الجمعية أن يبذلوا المزيد من الجهد لتجنيد الكفاءات والطاقات العلمية، لتلتف هذه الكفاءات والطاقات حول جمعية العلماء، وهي أم الجمعيات.
فلطالما نادينا بوضع بطاقية بالكفاءات، والمؤيدين والمؤيدات، بل وحتى المحسنين والمحسنات من أبناء شعبنا، الذين تزداد ثقتهم كل يوم في الجمعية، فيقدمون على تقديم الهبات، والتبرعات، إيمانا منهم بأن جمعية العلماء هي أفضل الجمعيات، من حيث الأمانة والثقة لإيصال العون إلى مستحقيه، وما مساعدات غزة، والقدس، وإخواننا في الروهينقيا ببعيد عنكم، وبهذه المناسبة نعلن للجميع بأن مواقفنا من قضايا الظلم، والاضطهاد، ستظل ثابتة، لا نحيد عنها فنستأنف حملة جمع التبرعات، لصالح فلسطين، والمضطهدين في الروهينقيا.
كما نجدد دعمنا لكل إخواننا المضطهدين في فلسطين، وفي اليمن، وفي ليبيا، ونطالب بإيقاف عدوان الجيش الغازي القادم من بنغازي، ضد المدنيين العزّل في طرابلس، وفي باقي المناطق، عملا بمقولة الإمام مالك:”وجاز دفع صائل بما أمكن”.
إننا بدافع الغيرة على الجمعية، ووعيا منا بوجوب النهوض بها، وبتجديد هياكلها، عملنا على التحلي بالشجاعة في تشخيص الداء، والواقعية في وصف الدواء.
فعسى أن يكون المجلس الوطني هذا، بداية الانطلاق، نحو الفعالية في العمل، والإيجابية في الأمل.
إن صفحات التاريخ مفتوحة، فلنقدّم فيها الناجع والنافع من الانجازات، حتى نكون بحق نعم الأوفياء في الخلف لأفضل الأتقياء في السلف.
وفي الختام؛ يدفعنا واجب الإخاء والوفاء أن نتذكّر إخوة لنا سقطوا في الميدان الإصلاحي، وآخرهم صالح ومصلح تندوف نذير حمودي.
ونجدد العهد لهم بأننا سنظل أوفياء لعهدهم، ومواصلين لجهدهم، ونقول لهم ناموا هانئين مطمئنين، فإننا على العهد باقون، وللثوابت حافظون.
فيا أبناءنا، وبناتنا،﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[سورة آل عمران، الآية 139].
فليسدد الله خطاكم، وليحقق سعيكم ومبتغاكم.
إن الغد الأفضل لكم، طالما بقيتم موحدي الأهداف والصفوف داخل جمعيتكم العتيدة، جمعية العلماء، وثقوا ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾[سورة النحل، الآية 128].
والسلام عليكم ورحمة الله.
حرّر بالمركب السياحي القرن الذهبي بتيبازة
يوم 03 جانفي 2020م الموافق لـ 07 جمادى الأولى 1441هـ