وراء الأحداث

تحديات جديدة بعد سنة من الأزمات والانجازات/ عبد الحميد عبدوس

أعلن يوم الخميس 2 جانفي 2020 الوزير المستشار الناطق باسم الرئاسة بلعيد محند أوسعيد (محمد السعيد) عن تشكيل أول حكومة في عهد الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون التي يرأسها الدبلوماسي والأكاديمي الدكتور عبد العزيز جراد، والمكونة من 39 عضوا تجمع بين أصحاب الخبرة من الوجوه القديمة والطاقات الجديدة من وجوه شابة يبلغ عمر أصغر وزير فيها  26 عاما.

تأتي الحكومة الجديدة التي تشكل الرقم 20 في تاريخ الجزائر المستقلة، بعد 13 حكومة استهلكها نظام الرئيس المقال عبد العزيز بوتفليقة خلال عشرين سنة كاملة من حكمه المدمر، كما تأتي هذه الحكومة بعد 22 يوما من انتخاب عبد المجيد  تبون رئيسا للجمهورية في انتخابات شارك فيها خمسة فرسان من النخبة السياسية الجزائرية هم عبد المجيد تبون، وعبد القادر بن قرينة، وعلي بن فليس، وعزالدين ميهوبي، وعبد العزيز بلعيد شاركوا كلهم  بمسؤولية سياسية وبحس وطني راق في انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة سادها التنافس الشريف والاحترام المتبادل بين المترشحين الذين شاركوا في عملية إنقاذ الوطن من مؤامرة  تورطت فيها قوى خارجية وأطراف داخلية لدفع الجزائر نحو التدويل وتلغيم مستقبل الجزائر.

لقد مرت الجزائر في سنة 2019 بمرحلة عويصة وحرجة.

لقد وضعت حكومة عبد العزيز جراد الجديدة لنفسها مهمة “استرجاع الثقة” في المجتمع الجزائري كهدف رئيسي لبرنامجها، وإذا كانت هذه المهمة غير مستحيلة إلا أنها غير يسيرة بعد ما أصبح الوعي الشعبي في أعلى مستوياته وأصبحت الجماهير فاعلا سياسيا يجب عدم الاستهانة به، خصوصا بعد الهبة المباركة التي شهدتها الجزائر في 22 فيفري الماضي. وتأتي الحكومة كذلك بعد قرابة 11 شهرا من بداية الحراك الشعبي الذي دخل يوم الجمعة الماضية أسبوعه السادس والأربعين.

لقد كانت انتفاضة 22 فيفري2019 المباركة أشبه بالبركان الذي قذف بحمم الغضب الشعبي في وجه سلطة منعزلة عن واقع الشعب ومستهينة باهتماماته الحياتية وكرامته الوطنية. ورغم الحراك الشعبي والمسيرات والمظاهرات الشعبية المعبرة عن الثورة السلمية التي ملأت شوارع الجزائر وساحاتها بما حملته من شعارات سياسية، وهتافات شعبية، وأهازيج شبانية كانت القوى غير الدستورية التي اغتصبت الحكم  سادرة في غيها، ومصرة على مواصلة فسادها واستبدادها، حيث كانت  تحضر لتمكين الرئيس المريض المقعد من افتكاك عهدة رئاسية خامسة، ولم تتورع عن ما لا يقل عن 6 ملايين توقيع لدعم ترشح عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية التي كان مقدرا لها أن تجرى في 18 أفريل 2019، فبعد أسبوعين من الحراك الشعبي أقدم عبد الغني زعلان مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة يوم الأحد 03 مارس 2019 على إيداع ملف الترشح للرئاسيات.

وظلت القوى غير الدستورية حتى الأسبوع السادس من المسيرات الشعبية متمسكة بالبقاء في السلطة ولو أدى ذلك إلى الزج بالبلاد في أتون أزمة دموية وتكرار سيناريو التسعينيات المأساوي، فقد كشف المجاهد الراحل الفريق أحمد قايد صالح عن الاجتماع المشبوه الذي عقده رؤوس العصابة لإنزال الجيش إلى الشارع وتطبيق حالة الطوارئ أو حالة الاستثناء، وقال نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي:” لقد تطرقت في مداخلتي يوم 30 مارس 2019 إلى الاجتماعات المشبوهة التي تُعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب” هذه المؤامرة التي كانت سببا في إيداع رؤوس العصابة السجن العسكري في البليدة.

وفي يوم الثلاثاء 2 أفريل 2019، أظهر التلفزيون الجزائري صور للرئيس المنتهية عهدته عبد العزيز بوتفليقة وهو يقدم استقالته لرئيس المجلس الدستوري السابق الطيب بلعيز بحضور رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الذي تولى منصب رئيس الدولة من 3 أفريل إلى 19  ديسمبر 2019 تاريخ تنصيب الفائز بالانتخابات الرئاسية عبد المجيد تبون في منصب رئيس الجمهورية .

والحقيقة التي أصبح الجميع يعرفها هي أن بوتفليقة لم يستقل من رئاسة الجمهورية وهو الذي تشبث بمنصبه رغم الداء والأعداء لمدة عشرين سنة كاملة ولكنه أقيل بفضل الرفض الشعبي وموقف قيادة الجيش الوطني الشعبي، وكان واضحا أن نهاية عهد بوتفليقة بدأت قبل تقديم استقالته رسميا من رئاسة الجمهورية، حيث ظهرت مؤشراتها  فعليا  ليلة الفاتح أفريل عندما تم توقيف رجل الأعمال علي حداد، ممول العصابة، بمركز العبور الحدودي أم الطبول بولاية الطارف عندما كان  هاربا تحت جناح الظلام إلى تونس وبحوزته جوازي سفر ومبلغ مالي بقيمة 4550 أورو، و400 ألف دينار.

وفي يوم 4 ماي 2019 تم إيداع كل من عثمان طرطاق ومحمد مدين والسعيد بوتفليقة الحبس الموقت بتهم المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة، وفي اليوم الموالي 5 ماي 2019 تم القبض على لويزة حنون، وفي 25 سبتمبر أصدرت المحكمة العسكرية في البليدة عقوبة السجن 15 سنة بحق كلّ من سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، ومحمد مدين الفريق السابق المعروف باسم “الجنرال توفيق” المدير الأسبق لأجهزة الاستخبارات، ورأس السلطة الفعلية في الجزائر خلال قرابة عقدين من الزمن الذي أدار سياسة الترهيب والإخفاء القسري والإقصاء المتعمد للكفاءات الوطنية النزيهة من تولي المسؤوليات، واحتفظ بمنصبه لمدة قياسية على رأس جهاز المخابرات التي تمثل قلب النظام الحاكم بفضل دعمه لعصابة “ضباط فرنسا”، وبشير طرطاق اللواء السابق المعروف باسم “الجنرال بشير” منسق الأجهزة الأمنية، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون.

كما أدانت المحكمة العسكرية في نفس اليوم كل من نزار خالد ونزار لطفي وبن حمدين فريد “الموجودين في حالة فرار”، وحكمت عليهم غيابيا بالسجن 20 عاما. وكانت أوامر بالقبض الدولي قد صدرت يوم الثلاثاء 6 أوت 2019 في حق الجنرال المتقاعد خالد نزار وابنه لطفي، مسير شركة “سمارت لينك كوم” والقائم بأعمال عائلة نزار، فريد بلحمدين مسير الشركة  الجزائرية للصيدلة، والذي قام بدور الوسيط بين الجنرال نزار وسعيد بوتفليقة .

ولا أحد لا يجهل خطورة الدور الذي لعبه خالد نزار في إغراق البلاد في مستنقع الأزمة الدموية التي حصدت أرواح آلاف الجزائريين في سنوات العشرية الحمراء.

وفي 12 جوان2019 وبفضل الحراك الشعبي، سقط أيضا أفراد العصابة المعروفة بموالاة فرنسا، منهم رئيس الحكومة المقال أحمد أويحيى صاحب المهمات القذرة، وصاحب اليد الماكرة في إخلاء الساحة الجزائرية للامتيازات الفرنسية الذي تولى منصبي رئيس الحكومة ثم الوزير الأول لمدة 12 سنة كاملة. وبعد يومين لحق به في سجن الحراش منافسه في المنصب عبد المالك سلال اللذين حكما عليهما في 10 ديسمبر2019 قبل يومين من إجراء الانتخابات الرئاسية بـ 15 سنة سجنا على أويحيى و12سنة على سلفه عبد المالك سلال . كما تم سجن عدد من الوزراء ورجال الأعمال الفاسدين الذين تورطوا في منح امتيازات أو نهب خزينة الدولة بمبالغ فلكية  قدرت بآلاف الملايير من الدنانير.

وفي 12 ديسمبر2019  تم تنظيم الانتخابات الرئاسية بعد إلغاء الانتخابات التي كانت مقررة سابقا في 4 جويلية 2019 لعدم تقدم مترشحين لهذه الانتخابات.

وكان الحدث الأبرز والأشد تأثيرا في السنة المنصرمة 2019 هو رحيل المجاهد الفريق أحمد قايد صالح في صبيحة الاثنين 23 ديسمبر 2019  وتشييع جنازته يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2019، بعد إلقاء النظرة الأخيرة عليه بقصر الشعب في نفس اليوم وري جثمانه الثرى في مقبرة العالية في جو من الحزن والتأثر والخشوع والترحم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com