جامع الجزائر هو سبب المشاكل!!!/ بقلم: عبد العزيز كحيل
هذا هو موقف الأقلية العلمانية التغريبية المتنفذة منذ بدأ التفكير في إنجاز جامع الجزائر في العاصمة.
وأنا مثل الأغلبية الساحقة من الجزائريين أتوجس من أية مبادرة صادرة من النظام الحاكم، ولا أرتاح لها، وأشكك في النوايا لأننا لا نؤمن أن خيرا يمكن أن يأتي من هناك أبدا؛ بل عهدنا مبادراته كل واحدة أسوا من الأخرى، قد تكون براقة لكنها لا تحمل في طياتها خيرا للدين ولا للمجتمع، لكن إذا نظرنا إلى المسألة بموضوعية وجدنا زيف النخبة اللائكية وزيغها واضحا للعيان، فذريعتها التي صدّعت بها الرؤوس أننا في حاجة إلى مستشفيات لأن عدد المساجد كافٍ، يا سلام! كلام جميل..! أصبحوا يهتمون بصحتنا! ولو هم الذين جلبوا لنا أنواع الأمراض الفتاكة، لماذا لا ينظرون إلى المليارات التي توزّع بسخاء على المطربات اللاتي يتمّ استقدامهن من هنا وهناك لنشر الرذيلة؟ والمهرجانات الغنائية “الدولية”؟ واللاعبين والمدربين الذين يأخذون ثروات طائلة ويحققون نتائج هزيلة؟ والمليارات المنهوبة في وضح النهار؟ ورواتب البرلمانيين الخيالية من غير جدوى؟ ووجوه التبذير الأخرى التي نعرفها جميعا، فضلا عن التي تتمّ بعيدا عن الأعين.
هذا الجامع هو الذي جلب لنا الأزمة الاقتصادية، وفرض علينا التقشف، هو تبذير للمال العام، هكذا يقولون، تردّده منابرهم بمناسبة وبغير مناسبة، حتى صدق ذلك كثير من المواطنين، وضجروا من هذا المسجد “الضرار” سبّب لنا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية!
لا؛ مشكلتهم ليست مع الأزمة، لكن مع الإسلام ورموزه، الجامع في موقع استراتيجي يرى الزائر إلى الجزائر العاصمة من خلاله هوية الجزائر العربية الإسلامية، سواء دخل من طريق الشرق أو جاء من المطار أو عن طريق البحر، وهم يرفضون هذا تماما، يريدون إبراز الوجه “الحداثي” والفرنسي بالذات للجزائر في ظل الهجمة التغريبية القوية المتواصلة بلا هوادة، الجامع يزاحم رمزهم الهجين الذي سمّاه الجزائريون من أوّل يوم “هبل” …هذه هي الحقيقة!
مهما كانت نية النظام ودوافعه وموقفنا المبدئي منه فإنه يجب أن ننتبه إلى أغراض التغريبيين، فلا نعينهم عليها بأي شكل… مال الأمة يُستنزف بألف وسيلة! فيما لا يجدي فليُستثمر في جامع يحفظ -رمزيا- هويتنا في وجه الغزو الفكري المسلط علينا من الداخل – فضلا عن ضربات العولمة الموجعة – ويكون غصّة في حلوق “القوم” وقذى في أعينهم ليتراءى للزائر وجهُ الجزائر الأصيل بدل ذلك الانتماء الهجين الذي يصنعونه لنا رغم أنوفنا، ويفرضونه علينا بقوة القانون وبكلّ الطرق الممكنة.
هكذا فعلوا مع مسجد وجامعة الأمير عبد القادر في قسنطينة، وُضع حجر أساسهما في نفس اليوم مع جامعة قسنطينة ففتحت هذه الأخيرة أبوابها بعد سنتيّن وبقي المشروع الأول يراوح مكانه ويتأخر إنجازه بذرائع شتى حتى همّوا بهدمه نهائيا بعد أن “اكتشفوا” أن أرضيته غير صالحة! ولولا إصرار الرئيس الشادلي بن جديد – رحمه الله – لما رأى أحدهما.
يدخل هذا المسعى في نطاق التضييق على دين الله ولغة القرآن الكريم وثوابت المجتمع وازدرائها، لأنها عقبة كأداء أمام حملة التغريب والفرنسة باسم الحداثة، ومن أوّل من بدأها تلك الوزيرة المدلّلة التي طالبت بتحويل أموال الحج إلى بناء قاعات سينما، وقبلها وبعدها كم تباكوا على أضاحي العيد الذي تستنزف موارد الجزائر الحيوانية، لو كانوا يقبلون النقاش لكلمناهم عن الثروات الطائلة التي تُنفق على مشروعات وهمية أو فاشلة لا تفيد الشعب في قليل ولا كثير.
يتباكون على المستشفيات وهم الذين أمرضوها وأفسدوها بالتسيير الموغل في التردي كما أفسدوا باقي القطاعات.
جادلني في جامع الجزائر بعض المتأثرين بالدعاية التغريبية المغرضة فرددت عليهم بأني على استعداد لإصدار فتوى – إذا كان لفتواي وزنٌ – تعُدّه مسجد ضرار يوم يتمّ الكفّ النهائي عن إهدار الأموال العامة في الإنفاق على اللعب والميوعة والأغراض الشخصية… فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا فإننا مع جامع الجزائر حتى نصلي فيه، ويبقى منارة تدلّ على هوية الجزائر العربية المسلمة.