الكثرة المذمومة/ عبد العزيز بن شرنين
اتباع العوام والعناد مع عامة الناس، أمر مكروه ومنبوذ بنص الآية الكريمة في سورة الأنعام قوله تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}، لماذا هنا الكثرة منبوذة؟ لأن الإنسان لا يستعمل فكره ولا يستخدم عقله، فالعقل الجماعي في الغالب يكون خاطئا ومجانبا للصواب، لأن أغلبية الناس يميلون إلى الترف، واللهو، والسمر، والاسترخاء في غير محله والشهوات بجميع أصنافها وأشكالها، لكن العقل الراجح والقلب السليم يأبيان ذلك، ويتقيدان بالسنن الإلهية في هذا الكون، فالرجل المؤمن يتصرف بالحكمة، والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، أو هي: «الإصابة في الأقوال والإصابة في الأفعال»، لكن إنسان هذا الزمان يتبع أغلبية الناس، والأمثلة كثيرة في هذه الحياة، فعلى سبيل المثال: لا الحصر.
مثال أول: الشباب الذي يحلق القزع المنهي عنه في الكتاب والسنة، الأوربيون فعلوا هذا، ففعلوا هم كذلك، أضف إلى السراويل المقطعة والممزقة والمطببة والهابطة، قال لي أحد الأصدقاء: والله لو كان الحمار يتكلم لرفض هذه السراويل أن تكون حلسا له!..، لكن التقليد الأعمى فعل فعلته في شبابنا.
مثال ثاني: أصحاب المقاهي أغلبهم يطففون في الكيل…، إذا قلت لصاحب المقهى اعطني كأسا من الحليب يعطيك نصفه، أما القهوة فيعطيك ربع الكأس… أما أن تكون هذه القهوة مرة كالعلقم، أو حامضة، أو محروقة، فالأغلبية بُنّ قهوتهم مغشوش.
مثال ثالث: أغلب الأئمة، بعد الصلاة لا يقدمون أي نصح أو موعظة للمصلين، كأنه من عامة الناس، لا ينبس ببنت شفة، “صل وارفع صباطك” ، يلتحق بمقصورته، والملاحظ أن أي إنسان يستطيع أن يصلي بالناس، لكن اختير الإمام خصيصا لهذه المهمة العظيمة حتى يقدم إضافة للمصلين ولو 5 دقائق مركزة في اليوم وأن يكون له برنامج يومي…
مثال رابع: الأطباء يزيدون تسعيرة الفحص، دون مراعاة المرضى وأحوال المجتمع، فهم مع الكثرة وقليل القليل من يثبت على تسعيرته القديمة، فيرى في عمله رسالة، لا مصلحة دنيوية بحتة.
مثال خامس: ما يقال على الأطباء، يقال على المحامين، والحلاقين وأصحاب المهن الحرة وغيرها، أغلبهم لا يراعون الفقراء وذوي الدخل المحدود، ما دام لم تكن رقابة في رفع هذه الأسعار الجنونية، أما التجار فحدث ولا حرج.
مثال سادس: في صلاة الجمعة، أغلب الناس ومعهم الإمام بعد السلام يخرجون جماعة، ولا يلبثون ولو 3 دقائق للإتيان بالباقيات الصالحات، وفي صلاة الصبح لا يبقى من المصلين إلا 3 من المصلين ينتظرون حتى بعد الشروق بـ: 10 دقائق أو 15 دقيقة ليصلي ركعتين ينال بهما عمرة وحجة تامة تامة عند الله، وهكذا سائر مساجد المدن الكبرى.
أما أغلب الأرياف فإنه بعد صلاة الصبح يغلق المسجد، ولا يبقى أي واحد فيه يقرأ القرآن.
وفي الجانب الإيجابي لابد لي أن أحيي بعض المؤمنين الصادقين الثابتين على المبدأ، ومن بينهم حلاق كتب لافتة في محله قائلا: لا أحلق القزع، ولا أحلق اللحية، وهناك طبيب يضرب به المثل في القناعة والرحمة بالعباد، حيث يفحص المرضى بـ: 200 دج، وطبيب ثاني يفحص مرضاه بـ: 500 دج، ولا أنسى طبيب العيون يفحص بـ: 1000 دج، أما الآخرون فمن 1500 فما فوق، كل واحد يسعر بهواه.
وأختم بهذه النماذج السالفة الذكر، في الخير والصلاح لعل الله يهديهم فيقتدي بهم الآخرون…