في رحاب الشريعة

الحياة الزوجية قوامها العدل والصراحة والتضحية / محمد مكركب

فلنبدأ بخير بداية مضيئة راشدة، بأنوار آية كريمة شاهدة، فيها من الموعظة البليغة الثمينة، لكل زوج مؤمن أمين، وكل زوجة صابرة أمينة، قال الله تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الروم:21] جعل الله عز وجل بين الأزواج مودة، ورحمة، لتتحقق السكينة النفسية والسعادة القلبية بين الزوجين المتحابين المتآلفين، فينتشر الحنان وينعدم الشنآن، ويقوى الإيمان ويخنس الشيطان، ويصير الزوجان نموذجا من عباد الرحمن. قال الله تعالى:﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ هل شبابنا الذين يقبلون على الزواج يتفكرون؟ وهل علموا بعض مجالات التفكر في مسائل الزواج والأسرة؟ وهل علموا مقاصد التفكر؟ ومقومات التفكر؟ فأول محطة للتفكر هي سنة الزوجية، كيف بدأت منذ أبينا آدم وأمنا حواء؟ كيف كان آدم وفيا لزوجه؟ وكيف كانت حواء وفية لزوجها؟ ومن آيات الزواج كيف أن المخطوبة كانت أجنبية لا تحل للخاطب، وبإجراءات العقد صارت حلالا طيبا؟ هل فكر الشباب في قيمة العقد وحرمة الحياة الزوجية بموجب العقد؟ كيف تحافظ أيها الزوج على الحلال وتسعد بالحلال؟ هل فكرت أيه الزوج في قوله تعالى:﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾[البقرة:187] وقوله تعالى:﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾[البقرة:228] وقوله تعالى:﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[النساء:19] فَكِّرْ جيدا وبصدق، في معاني قول الله تعالى:﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ كن تقيا حقا، والله تعالى قال:﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾[البقرة:237] وكل هذا على سبيل المثال.

أهم القواعد التي تقوم عليها الحياة الزوجية {الوفاء والإيثار} الذي يثمر في القلوب المودة والرحمة والحنان والسكينة والاطمئنان. أعني ذلك {الوفاء} الذي قِوَامه العدل والصدق والصراحة بين الزوجين، واعلموا أن أكثر الخلافات الزوجية والفتن الأسرية مردها إلى ظلم أو خيانة أو بسبب الحقد العفوي بين الزوجين، أو بسبب التخلي عن الصدق والصراحة، ومن بين الأسباب المباشرة في زمننا هذا مواقع التواصل العنكبوتية، والهواتف والاتصالات اللاشرعية، بين أحد الزوجين وطرف أجنبي آخر، وهذا الانحراف السلوكي من أخطر وأشنع مصائب العصر.

قرأتم في الحديث:[ إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى] ومن صفاء وصدق النية، الصراحة يوم الخطبة: أن تصارح المخطوبة خاطبها وأن يصارحها في كل ما يكون له علاقة بمستقبل زواجهما فقط، أقول بمستقبل زواجهما فقط، ولا تحكي له حكايات ماضيها مع صديقاتها، ولا هو يقص عليها مراهقاته وجولاته وصولاته في شبابه. إنما يصارحان بعضهما فيما يتفقان عليه مما يخصهما بشأن مستقبلهما، كمزاولة عمل، أو متابعة الدراسة، أو المسكن مع الوالدين، وربما ظروف صحية تتعلق بالحياة الزوجية فقط. وفي الأمثال الشعبية ( الصراحة راحة). ولغرض هذا الأساس (الصراحة أثناء الخطبة) قال رسول الله للمغيرة بن شعبة عند خِطْبَتِه امرأةً قال له:[ اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا](ابن ماجة.1866، والترمذي.1087) أن يؤدم بينكما، أي أحرى أن تدوم المودة بينكما.

  ومن قواعد وعوامل حفظ المودة اعتبار الزواج أمانة وعبادة ومشروع حياة يتقرب به العبد إلى الله سبحانه، وليس مجردَ مالٍ وجمال ودلال واستمتاع، فالزواج أمانة ومَهَمَّة نبيلة، يعرف قدرها وعظمتها النبلاء الأتقياء، فكثير من الشباب الذين لا يقدرون قيمة الزواج والأمانة الزوجية تجدهم يختارون صاحبة الجمال الجسدي أو صاحبة المال الكثير أو الموظفة ذات المنصب المرموق ولو كانت لا تعي سورة واحدة من القرآن، بل وأحيانا وإن كانت لا تصلي ولا تصوم. وكثيرات هن اللواتي امتحنهن الله عز وجل بحرمانهن من جمال جسدي لحكمة يعلمها الخالق جل جلاله، وهو الخلاق العليم، تبقى الواحدة منهن بلا زوج يسترها ويحنو عليها ويُلْبِسُها دفء المودة الحميمية ويكون له ذلك صدقة من أعظم الصدقات وبطولة من أعظم البطولات، وقد تكون الدميمة تحفظ القرآن وتمتاز بالعفة والحياء، وهذا لا يعني أن الجميلة والغنية لا تحفظ القرآن ولا تمتاز بالعفة والحياء، لا نعني هذا أبدا، إنما ما نعنيه مفهوم عند أولي الألباب.

وفي الحديث:[فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ] (ت.1086) ما أجمل تلك الْمَهَمَّة الجهادية التي يقوم بها شاب مؤمن عندما يخطب شابة مؤمنة متدينة ولو كانت محرومة من الجمال الجسدي فقد يكون عندها الكثير والكثير من الجمال الأدبي والروحي، وقد تكون أجمل زوجاته في الجنة وقد تكون سبب دخوله الجنة وهذا الأهم.

ومن قواعد الوفاء: الصبر والتحمل والتضحية في حالة ما إذا وقع أحد الزوجين في ابتلاء. كالمرض، أو العقم، أو أي ابتلاء آخر، أو ظروف كالغياب لمدة طويلة. فأين وفاء الزوج إذا كان لا يصبر على زوجه في حالة المرض الذي هو من قضاء الله وقدره؟؟ أو ظروف قاهرة كظروف العمل، إن خلق الوفاء يعني أن الزوج ينظر إلى زوجه أنه جزء منه ومصيره مرتبط كل الارتباط بمصير زوجه﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾[البقرة:187] وقال تبارك وتعالى:﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[البقرة: 228].

ومن القواعد: العدل الذي هو قوام الوفاء وبه تحفظ المودة، ولتستقيم الحياةُ الزوجيةُ ويدوم الاستقرار، وجب أن يقوم كل طرف بواجباته. سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الزوج؟ يا رسول الله؟ قال:[أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى](ابن ماجة.1850) وقال عليه الصلاة والسلام:[ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا]. وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[أكملُ المؤمنين إيمانا أحسنُهم خلقا، وخيركُم خيركُم لنسائهم] (الترمذي. 1162).

فعلى الزوج واجب القوامة من العناية، والإنفاق، والتسيير، وعلى الزوجة طاعة الزوج في كل مشروع مباح بقدر الاستطاعة. هل قرأت هذه القصة أيتها الزوجة الصابرة؟ {مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها. فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، قال: فغضب، ثم قال: تركتني حتى إذا تلطخت، ثم أخبرتني بابني؟! فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم،  فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بارك الله في ليلتكما»} (مسلم:2144. والبخاري:5470).

وهل علم الزوج أنه لا يليق به أن يغضب على زوجته مهما كان الأمر؟ وأنه على سبيل المثال، لا يتلفظ بكلمة الطلاق أبدا إلا أمام القاضي بعد مجلس الصلح، أو بحضرة الحكمين بعد سماع الموعظة، أو أمام شاهدين عدلين. وهل فكرت الزوجة وعلمت أن سبب كثير من المشاكل والصراعات داخل الأسرة بسبب سوء سلوكها؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com