رحيل قاهر العصابة، وحامي العدالة إلى دار البقاء/ عبد الحميد عبدوس
عاش مجاهدا …ومات قائدا !
إنه أسد الجزائر الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بطل الجهادين (بطل التحرير، وبطل البناء والتنمية) القائد الجسور الذي تحمل مهمة إنقاذ الجزائر من مخطط استنزافها، وتلغيم مستقبلها، وتدمير قيمها، ونهب ثرواتها، وتهجير إطاراتها.
ذلك المخطط الذي نفذته عصابة بوتفليقة وأذنابها بتوجيه وتشجيع من أعداء الجزائر التاريخيين على امتداد عشريتين كاملتين.
لقد كان المجاهد أحمد قايد صالح رجلا نوفمبريا بأتم معنى الكلمة، فهو من الرجال الذين يضعون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، والذين قدموا أعز ما يملكون في سبيل الجزائر. لقد أدرك الشعب مقدار حرص المجاهد الفريق أحمد قايد صالح على ضمان أمنه وحماية سيادته واستقراره، فرد له الود والاحترام والتحية في أحسن صورة معبرة عن تلاحم الشعب مع قائد جيشه.
ومن أواخر الصور التي شاهده فيها الجزائريون حيا، كانت صورته في التلفزيون وهو يظهر مبتسما مبتهجا في حفل تنصيب الرئيس الجديد المنتخب السيد عبد المجيد تبون، الذي وشح صدره يوم 19 ديسمبر2019 بأرفع وسام في الجمهورية، ألا وهو وسام الاستحقاق من مصف (الصدر) :” نظير جهوده الجبارة في ضمان سلامة المواطنين وسمو الدستور وأمن البلاد ومؤسساتها الجمهورية ” . رغم الإرهاق وثقل التحديات كانت علامات الرضى بادية على ملامحه وإشراق السعادة يملأ جوانبه بسبب توفيق الله عز وجل له للوفاء بعهده للجزائريين بإيصال وطنهم إلى بر الأمان، وعبور عاصفة التشكيك والتخذيل والتحريض على إفشال الانتخابات الرئاسية، وإغراق الجزائر في مستنقع التفكك والفوضى، وبإنجاز وعده لهم بعدم إراقة أية قطرة دم لأي مواطن جزائري مشارك في المسيرات الأسبوعية للحراك الشعبي والطلابي، رغم الهتافات الوقحة والشعارات الاستفزازية التي كان يصرخ بها بعض المشاركين في الحراك … شعارات وهتافات وصلت إلى حد تخوين هذا المجاهد الصالح الصادق الذي وهب حياته لخدمة الجزائر وتحدى كل الصعاب من أجل حماية الحراك والحفاظ على سلامة الوطن والمواطنين.
لقد شاءت إرادة المولى تبارك وتعالى أن يرفعه إلى جواره بعد عشرة أيام من انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ونجاح المسار الانتخابي الذي وضع قائد المؤسسة العسكرية كل ثقله ونفوذه وعزيمته التي لا تقهر وراء إجرائه، كمخرج دستوري وحيد للأزمة، لقد شكلت الانتخابات الرئاسية عملية إنقاذ وطني، وحمت الجزائر من مخطط التدويل والتفجير والتقسيم، ومكنت من بناء أرضية صلبة لترسيخ المؤسسات الشرعية وقطع الطريق أمام مناورات وأطماع المغامرين والحاقدين على الجزائر.
نادرا ما شاهدت الجزائر جنازة ضابط عسكري مثل جنازة الفريق أحمد قايد صالح باستثناء جنازة العقيد هواري بومدين الذي تولى رئاسة الجزائر من 1965 إلى 1978 . لقد غيبت المنية صبيحة الاثنين 23 ديسمبر 2019 رجلا من عظماء الجزائر، وتم تشييع جنازته يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2019، بعد إلقاء النظرة الأخيرة عليه بقصر الشعب في نفس اليوم، حيث غطى طوفان بشري من المعزين من مختلف الأعمار والفئات والمناطق الجغرافية للوطن، طرقات وممرات مسار الموكب الجنائزي على امتداد 15 كلم من قصر الشعب إلى مقبرة العالية التي تضم رفات خيرة أبناء الجزائر من الشهداء والقادة والرؤساء، حيث وري في ثراها جثمان المجاهد أحمد قايد صالح في جو من الحزن والتأثر والخشوع والترحم.
و كأن المشيعين كانوا حريصين على إعادة العلاقة بين الشعب الجزائري وفقيده المجاهد الفريق أحمد قايد صالح إلى نصابها الصحيح والرد على الافتراءات والبذاءات التي طالته من طرف بعض السفهاء والموتورين من خلال ترديد المشيعين للجنازة لهتافات من نوع :”جيش، شعب، خاوة، خاوة، والقايد صالح مع الشهداء”، و” يا القايد ارتاح، ارتاح … سنواصل الكفاح”. هذه الجنازة التي لم يتوقع أحد من رؤوس عصابة الفساد والاستبداد وأذنابها حجم ضخامتها، وتنوع المشاركين فيها، وصدق مشاعر الحزن المنصبة عليها، أصابتهم بالغيظ والمرارة والانكسار بسبب حقدهم وبغضهم على من حرر البلاد والعباد من جرائمهم وشرورهم، وهم الذين جعلوا الجزائر بلد الشهداء والمجاهدين الأوفياء والمواطنين الشرفاء محزنة للأصدقاء، وسخرية وموضوع تشفي للأعداء .
كما أصابت جنازة المجاهد أحمد قايد صالح داعمي وأسياد العصابة من وراء البحر بالذهول والجنون، فقد راح الإعلام الفرنسي ـ على سبيل المثال ـ يصب سيلا من الكذب والحقد، على قائد الجيش الجزائري، حتى أن جريدة “لوموند” التي كانت تفاخر بعراقتها، وعلو كعبها في احترام الأخلاق المهنية، وضوابط الموضوعية، تلطخت صفحاتها بنشر نماذج حقيقية للتضليل وترويج الأباطيل في ما يخص تغطية جنازة الفريق أحمد قايد صالح حيث تعاملت معه كعدو يجب تصفية الحسابات معه، لا كحدث إعلامي جدير بتعريف القارئ بمعطياته، فقد زعمت الصحيفة الفرنسية يوم 24 ديسمبر 2019 بأن موت الفريق أحمد قايد صالح كان بمثابة ” لا حدث” في الجزائر، وأتبعتها بتغطية أخرى تزعم أن سكان مدينة قسنطينة كانوا أقل اهتماما بجنازة الفريق أحمد قايد صالح من سكان الجزائر العاصمة.
ليس سرا أن السلطات الفرنسية لم تكن تخفي مشاعرها غير الودية أو المتحفظة من شخصية قائد الجيش الجزائري سليل جيش التحرير الوطني المجاهد أحمد قايد صالح، فالسفير الفرنسي الحالي في الجزائر (كزافييه دريانكور) وضع الفريق أحمد قايد صالح على رأس أعدائه في الجزائر، واتهمه في المذكرات التي كان يرسلها إلى رؤسائه في باريس حسب موقع ( موند أفريك) بأنه: “عدو للحراك الشعبي” وشخص “متعطش للسلطة” وبأنه سيقود الجزائر إلى “منزلق أمني”. لذلك لم يكن غريبا أن يقدم عدد من الحاضرين لتشييع جنازة الفقيد المجاهد الفريق أحمد قايد صالح بقصر الشعب على طرد السفير الفرنسي “كزافييه دريانكور” مطالبين أياه بمغادرة المكان، بعدما أتى لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الراحل أحمد قايد صالح، وردد المواطنون شعارات وهتافات مناهضة لفرنسا( ديقاج فرنسا) الشيء الذي دفع موكب السفير الفرنسي للابتعاد عن مقر العزاء وسط الغضب الشعبي.
ولعل من علامات حسن الخاتمة المتعلقة بالمجاهد أحمد قايد صالح هي قيام عشرات الجزائريين بأداء شعيرة العمرة وإهدائها لروحه وتنظيم بعض المواطنين لموائد إطعام للفقراء وعابري السبيل صدقة على روح فقيد الجزائر، وإقامة صلاة الغائب والدعاء له في معظم مساجد الجزائر، وتوافد جموع غفيرة من المواطنين على قبره بمقبرة العالية للترحم على روحه بعد أكثر من ثلاثة أيام من دفنه .
إن عدد المدارس القرآنية والمساجد التي بناها قربة لله تعالى تدل كلها على أن الراحل كان محافظا على دينه، متشبعا بقيم شعبه، متمسكا بثوابت أمته، ولذلك نعتقد أنه سيبقى حيا في ذاكرة شعبه وعزيزا في تاريخ وطنه .
للتذكير فإن بعض الناس يطلقون على الفقيد اسم (قايد صالح) والصحيح أن لقبه هو (قايد أحمد) واسمه هو (صالح) …وفي الأخير نسأل الله الرحمة والرضوان لروح الفقيد أحمد قايد صالح … إنا لله وإنا إليه راجعون.