هل باتت التكنولوجيا خطرا على الجزائريين؟!/ جمال نصر الله
(شعب مثقف لا يجوع) هكذا قال جمال عبد الناصر الرئيس المصري الراحل تاركا لنا حكمة خلُدت مع مرور السنين…وهي صالحة لأن تكون مادة أولية لعديد من المواضيع والأطروحات، بحيث أن الثقافة هي سلاح أبدي لا يفنى ولا يشيخ. ومن خلاله تستطيع أن تصقل ذاتك كإنسان وكذلك كمجتمع ووطن، حيث إذا تم امتلاكه لا يمكنك أن تشعر بالخوف أو ينتابك الشك في شيء، إنما تزداد ثقتك في نفسك وتزداد جرأة وعطاء، وكذلك إيثارا وإبداعا، أما إذا كان الجهل بمعناه المعرفي يسيطر على أفكارك فأنت في ضلال مبين..ومرتكب للأخطاء حتى يرث الله الأرض ومن عليها؟! والمقصود بالجهل هنا هو افتقادك لكل سبل المعرفة وفي شتى المجالات،
الأمم المتقدمة اليوم ليست بحاجة ماسة إلى المواد أو البضائع قدر ما هي بحاجة إلى الأفكار والمشاريع والبحوث المستقبلية التي باستطاعتها أن تقدم إضافة نوعية للصناعات والعلوم، وهكذا بقيت وركنت في مراتب تحسد عليها؟! عكس كثير من دول العالم الثالث والعرب بالخصوص ممن لا يجد المثقف الحقيقي والمقصود العضوي والفعال وليس الحامل للشهادات العليا. مكانة تليق بمستوى جهده ونبوغه، وربما يتساءل سائل اليوم هل هذه الدول التي هي منا ونحن منها تتعمد في تجهيل أبنائها حتى لا يرتقوا أو يتألقوا في عطاءاتهم وإنتاجاتهم مخافة أن يزاحموها المناصب والامتيازات؟! قد يكون هناك شيء من هذا القبيل إلا من رحم ربك…وإلا كيف نفسر ظاهرة هجرة الأدمغة وازدياد حجمها لو لم تكن هناك مضايقات وعمليات خنق للأفكار والمشاريع؟! وأن عددا من الأدمغة العربية تتألق في عواصم أوروبية وأمريكية بينما تعيش الويلات في أوطانها الأصلية.
دعونا فقط نعرج على ظاهرة التقدم التكنولوجي المذهل في شتى بقاع المعمورة، وكيف يتعامل معه الفرد الجزائري ومدى انعكاسه السلبي والإيجابي على شخصه، وقد تبيّن ذلك من خلال حضور عالميّ الأنترنات والفايسبوك داخل يوميات الجزائريين وما انجر من ورائهما من تأثير بالغ الخطورة على السلوكات اليومية، وإلا ما سبب العدد الخيالي للجرائم المرتكبة، وضياع القيم بشكل تدريجي وظواهر مشينة أخرى تتنفس يوميا داخل المحاكم. نحن لا نلصق بصفة مباشرة التهم كلها بهذه النعمة التكنولوجية لأننا كجزائريين لم نعرف الأنترنات إلا بعد سنة 2005 فهل 13 سنة هي كافية لشحن آلاف الأفراد وتهيئتهم كي يصبحوا على ما هم عليه اليوم من مساوىء يندى لها الجبين . قد تكون الإجابة بنعم؟! لأنها ليست سببا مباشرا بل كانت الدعامة الحاضنة أو قل بتعبير آخر القاعدة التي ظلت تبعث وتأوي وكذلك تلقح بمفعولها العلاقات بين الأفراد سواء داخل الأسر أو في الشارع أو في المدارس والمؤسسات الخاصة والعمومية… وهلم جرا.. وعليه بدت كالمغناطيس الذي يجذب جميع الأجسام من حوله وبكافة أشكالها وأحجامها وألوانها.
ومن زاوية أخرى هل هذا التأثير القاسي فعل نفس الشيء في دول ومجتمعات أخرى أم أن الجزائر هي فقط الاستثناء؟!
من حقنا أن نجيب بشكل سريع أن ذلك يتوقف على حجم البنية التفكيرية لدى مجموع الأفراد الذين لهم حرية الاختيار في استقبال وتقبل هاته الفكرة أو تلك ومن جهة في قضية صدها وردها، لأن المجتمعات المثقفة – كما قال غاندي- تفتح نوافذها لجميع العواصف والتقلبات الجوية لكن لا تسمح البتة في أن تقلع جذعا واحدة من تربتها؟! وغاندي كان يقصد الثقافات الوافدة وأحقية الحفاظ على الهويات والخصوصيات، وتصبح للكارثة حضورها يوم تكون البنية الفردية والجماعية جد هشة، عديمة المتانة وعرضة لكل هبوب عابرة هكذا يجب الفصل بين مجتمعات بها أفراد محصنون بالوعي عبر كافة الأصعدة، يفقهون جيدا قياس وحجم الحريات والحقوق مالها وما عليها، وما هو دورهم وعلاقاتهم بالمؤسسات والدولة والمواطنة وكذا بالثقافات الأخرى.
يبقى فقط رأي الخبراء والمحللين هو الأنجع والأصوب وهو أن التكنولوجية هي نعمة تاريخية لكافة الشعوب التي تستبطن منها الأنفع والأجدر في إمكانية تأكيد الحضور واحترام خصوصيات الغير وإلباسها لبوس المحلية دون إهدار هذه الأخيرة أو الاستهزاء بها، فالتشبيه ربما الأكثر صوابا هو أن المجتمع الجزائري صدمته التكنولوجيا وهو في عز مراحل نموه، فوقع بين بين لا هو استطاع أن يحافظ على رتمه التصاعدي ومن جهة ما استطاع حتى القفز عليه ومصاهرة التدفق العلمي والمعرفي ومجاراته بل تكهربت مفاصل تفكيره وأضحى مفزوعا لا يدرك ما فعله أمس، وغير مهيأ نفسيا ليفكر فيما سيفعله غدا؟! فبات قاب قوسين أن يحافظ على تقاليده التي ورثها أبا عن جد ومن جهة التعامل مع هذه الثقافة الرقمية مزودا بذكاء حاد حتى لا يفقد بوصلته التي توجهه حسبما تتطلبه حاجاته اليومية، وهي السبيل الأنجع وإلا وقع فريسة سهلة ولقمة سائغة بين فكيّ التيه والدوران الأرعن غير المجدي
شاعر وصحفي جزائري