“الروهينغيا” مأساة أقلية مسلمة، وحرب إبادة متجددة !!/ بقلم عبد الحميد عبدوس

عادت حملة القمع والقتل والتشريد وحرق قرى مسلمي “الروهينغيا” في “ميانمار” (بورما) إلى واجهة الأحداث في الشهر الماضي (ابتداء من يوم الجمعة الماضي 25أوت2017م) مخلفة العديد من القتلى، والجرحى، وتشريد آلاف القرويين، بسبب بطش الجيش البورمي، وإرهاب الأغلبية البوذية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد أعرب يوم الاثنين (28 أوت 2017م) عن “قلقه الشديد” من مقتل مدنيين خلال عمليات أمنية في ولاية راخين (أراكان) بغرب بورما، وطالب السلطات البورمية بأن “تضمن سلامة الذين يحتاجون إلى ذلك، وأن تقدم لهم المساعدة”، وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن ما يقدر بنحو ثلاثة آلاف شخص عبروا إلى بنغلاديش. وتأتي الهجمات بعد تقرير للجنة أممية يقودها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان جاء فيه: “أنه يجب على حكومة ميانمار أن تستجيب لأزمة مسلمي الروهينغيا بطريقة محسوبة دون استخدام مفرط للقوة”. و جاءت موجة الاعتداءات الجديدة على الروهينغيا، بعدما قالت سلطات ميانمار إن من وصفتهم بـ”المتشددين الروهينغيا” شنوا هجمات يوم الجمعة على قوات الأمن ما أسفر عن مقتل العشرات منهم .
يتعرض المسلمون بولاية راخين (أراكان)، البالغ عددهم نحو 1.3 مليون نسمة منذ حوالي نصف قرن إلى عمليات تطهير عرقي وحرب إبادة متدرجة، فهم محرومون من حق المواطنة والحصول على الجنسية الميانمارية بحجة أنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين، ولا يحظون بحق تملك عقاراتهم وأراضيهم، ويضيق عليهم في ممارسة الأعمال التجارية، وتقوم الحكومة دون سبب بمصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وقوارب الصيد التي يستخدمونها لكسب عيشهم، كما يحرمون من تقلد وظائف بهيئات حكومية وكذا الجيش، ومن حق التصويت والترشح في الانتخابات، وإظهار تقاليد تاريخهم، أو التعبير عن رموز هويتهم، ولكن بعد الكارثة الإنسانية التي مر بها مسلمو الروهينغيا في ربيع 2015م والتي ألجأت مئات العائلات منهم إلى الهجرة تحت أنظار العالم في قوارب مهترئة وصفتها الأمم المتحدة بـ”التوابيت العائمة” وبعد الضغط الدولي، منحت حكومة ميانمار بعض مسلمي الروهينغيا الذين تعتبرهم دخلاء بطاقات خضراء بدل الهوية الوطنية التي منعوا من اقتنائها منذ فرض قانون المواطنة في العام 1982م، والذي بموجبه انتزعت الجنسية من مسلمي الروهينغا، ولكن هذه البطاقات الخضراء مؤقتة وصالحة لمدة عامين فقط كتب عليها: “أن حملها لا يعني المواطنة، وأنه يمكن أن يخضع للتحقيق في هويته، ومن لا يحملها مهدد بالطرد، كما يمنع من التنقل بين الأحياء والقرى المجاورة”، وتحاول السلطات بتلك الهويات أن تسحب اعتراف من حامليها أنهم محض دخلاء غير شرعيين. كما أن البطاقات الخضراء تساعد الدولة أكثر في اتخاذ قوانين وإجراءات خاصة مع حامليها الذين لم تمنحهم الدولة إياها إلا بعد ضغوطات دولية.
في نوفمبر 2015م أعطى فوز زعيمة الرابطة الوطنية الديمقراطية المعارضة أونغ سان سو كي الحائزة على جائزة نوبل للسلام في سنة 1991م، بأغلبية مقاعد البرلمان البورمي بعض الأمل في إمكانية إعادة حقوق المواطنة لمسلمي الروهينغيا، وإحداث قطيعة مع السياسة القمعية التي انتهجتها ضدهم الحكومات البورمية السابقة، ولكن يبدو أن تغير الحكومات في ميانمار لا يؤدي إلى تغير السياسات القمعية ضد مسلمي الروهينغيا، الذين وصفتهم الأمم المتحدة بأنهم “أكثر الأقليات اضطهادا في العالم”. حتى كاد اسم الروهينغيا يصبح عنوانا لمأساة معاصرة.
وقد وجهت هيئات حقوقية دولية انتقادات حادة لزعيمة ميانمار الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعدم وضعها حدا للانتهاكات التي تتعرض لها أقلية الروهينغيا، على الرغم من تعهدات سابقة لها بالالتزام بنتائج أي تقرير أممي.
وحتى بابا الفاتيكان الذي استقبل أونغ سان سو كي في سنة 2013م وعبر لها عن دعمه، يبدو أن ظنه قد خاب في صدق التزامها بتحقيق الديمقراطية في ميانمار بعدما أصبحت مقاليد السلطة بيدها، فقد ذكرت شبكة “إيه بي سي” نيوز الأمريكية، يوم الأحد الماضي (27 أوت 2017م ) أن البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، الذي ينتظر أن يزور كلا من ميانمار(بورما) وبنغلادش في نهاية نوفمبر المقبل، شجب ما يتعرض له مسلمو الروهينغيا، ودعا إلى أن يحصلوا على كامل حقوقهم. وقال البابا فرنسيس: “هناك أخبار حزينة بشأن اضطهاد إخواننا من أقلية مسلمي الروهينغيا” وتذكر المعلومات التاريخية أن مستوطنات المسلمين الذين ينحدر منهم الروهينغيا ظهرت في إقليم أراكان في القرن الثامن الميلادي مع وصول العرب، أي قبل ألف عام من سيطرة بورما البوذية على الإقليم في القرن الثامن عشر الميلادي ويعتقد أن السلالة المباشرة من المستوطنين العرب يعيشون الآن في وسط مركز أراكان .
بعد الغزو البورمي سنة 1785م لأراكان (راخين) موطن الروهينغيا الحاليين، فر ما يصل إلى 35 ألف أراكاني إلى مقاطعة شيتاكونغ المجاورة التابعة للبنغال البريطاني وذلك سنة 1799م هربا من اضطهاد البورميين وطلبا لحماية الهند البريطانية، وقد أعدم الحكام البورميون آلاف الأراكانيين ورحلوا أعدادا ضخمة منهم إلى وسط بورما، تاركين قليلا من السكان في أراكان عندما أحتلها البريطانيون.